حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي قال الهادي نويرة لصاحب المذكّرات، لما حصل لهذا الأخير مشكل Blocage وهو وزير التخطيط، وعطلت شؤونه المالية: «يا «سي أحمد» معك حق (في التشكّي والقلق)... والرئيس بورقيبة مقتنع... وسوف تأخد المالية مع التخطيط، كانت هذه مسيرة العلاقة بين بن صالح ونويرة. وفي سؤال آخر لأحد القرّاء، حول زيارة بورقيبة الى واشنطن بداية الستينات، عهد الرئيس الامريكي جون كيندي، قال «سي أحمد» في معرض اجابته عن السؤال: «كان بورقيبة هو أوّل رئيس دولة يستدعيه كيندي بعد انتخابه... كان ذلك في بداية الستين من القرن الماضي... وكنت أنا «رقم 2» في القائمة البروتوكولية بعد بورقيبة... بدأت الزيارة، بعشاء أقامه الرئيس الامريكي جون كيندي على شرف الرئيس بورقيبة والوفد المرافق له... جلس كيندي قبالة بورقيبة على طاولة العشاء والى جانب كيندي زوجة نائبه جونسون ثم أليها أنا... وعندما جلسنا للعشاء تقدّم كيندي في حركة قدّمت رأسه من فوق رأس زوجة جونسون، مما «اضطرّها» أن تنحني قليلا، لنتمكّن من الحديث... وكان لكيندي سؤال قال لي بخصوصه: سيد بن صالح عندي سؤال واحد أقدّمه لك وكان الكلام بيني وبينه بالانقليزية فقال سائلا: لماذا لا يحبّون أمريكا والامريكان، عبر العالم؟ كيف ترى الموضوع من جانبك؟ وأضاف كيندي: هذا سؤالي. فقلت له: «أظن أن العبارة غير دقيقة... غير صحيح... الناس لا يكرهون أمريكا، بل هم يشعرون بنوع من التعجّب أو الخذلان... لأن الامريكان هم الذين قاموا بأوّل ثورة ضد الاستعمار... وكثير من الشعوب المستعمرة وقياداتها تتساءل عن الموقف الامريكي إزاء الاستعمار إذ يعتقدون أنه موقف، كان يمكن أن يكون أنجع بكثير، نظرا لتجربتهم (الأمريكان) ضد الاستعمار... هذا الشعور الذي ذكرته، أنه «كره» للأمريكان أنا أقول عنه كالآتي أو أصفه هكذا: «إنهم يتألّمون من موقف الامريكان الذين لا يستوعبون الآن، ما يقوم به الاستعمار... ومعنى الاستعمار... وأعطيته مع الموقف أمثلة وخاصة المثال الجزائري حيث كانت الجزائر في أوج الثورة التحريرية . وهنا استوقفت «سي أحمد» ليقول لنا كيف كان يعرف كيندي ولماذا بدأ الرئيس الأمريكي، وخلال ذاك العشاء، مهتمّا برأي بن صالح وببن صالح ذاته، في حين كان الرئيس بورقيبة على نفس الطاولة فقال وقد تبيّن أن في هذا الامر قصّة: «الرئيس كيندي يعرف قصة الجزائر الثورة، عن طريق وولتر روتر... ثم لا ننسى أنه هو نفسه وبعد عملية دخول الاتحاد العام لعمّال الجزائر الى السيزل، أصدر كيندي كتابا عن الثورة الجزائرية، وكان نائبا بمجلس النواب الامريكي Sénateur . كيندي لم يكن ضد الثورة الجزائرية... وأذكر أن وولتر روتر زعيم النقابات الامريكية ذات التوجّه التقدمي، كان يقول لي في السيزل، وأمام السويديين: أنت تتحدث عن الثورة الجزائرية وتريدها أن تدخل الى السيزل، وكيندي (بنفس الوقت) يكتب كتابا عن الثورة الجزائرية». وابتسم «سي أحمد» قليلا، متذكرا المشهد خلال العشاء، حين كان يتحدث اليه جون كيندي... حيث يقول إن السيدة جونسون (زوجة نائب الرئيس الامريكي التي كانت تجلس بين كيندي وبن صالح) اتكأت الى الوراء، لتيسير عملية التخاطب بيننا، وقد رأيت نوعا من الابتهاج ينتاب كيندي وغمره، عندما كنت أجيبه عن سؤاله... كنت أقدم له توضيحات بحجج حول موقف العالم من أمريكا والامريكان... وكان كيندي ينصت بانتباه الى التحليل الذي قدمته له، حول مواقف الشعوب الرازحة تحت الاستعمار، من الولاياتالمتحدةالامريكية... وفي أوج الحديث، ويبدو أننا أطلنا التحادث، وكان الوضع عشاء رسميا يقيمه الرئيس الامريكي على شرف ضيفه والوفد المرافق له، جاء مدير التشريفات وقال له كلاما في أذنه لم نسمعه... لكن كان مفهوما، أنه يذكّره، بأن العشاء شارف على النهاية... إذ أن بورقيبة أكمل عشاءه... فأكلنا بسرعة، وكانت «مدام جونسون» هي الاخرى، لم تأكل شيئا بحكم وضعها على طاولة العشاء... نهضنا وانتهت مأدبة العشاء... ولم يكتف كيندي بما حصل من حديث على طاولة العشاء، بل واصل عندما وقفنا، بقوله: «سيد بن صالح، هذا العام، أنجزنا اجتماعا في فيلاّ الوزير الاول (السويدي) في ستوكهولم إيرلندار، وهو من أعز أصدقائي أيضا كما تعلم، وحضره ويلّي براندت وبرونو كرايسكي وإيرلندار بالطبع هو المضيف، وأنا شخصيا (كيندي) ثم أضاف: وقد قررنا أن يكون الاجتماع سنويا من أجل نظرة تقييمية للوضع العالمي... وهذه المجموعة قررت أن يكون أحمد بن صالح (وزير المالية والتخطيط في تونس) وطوم بويا (وزير المالية في كينيا)... أن يكون معنا في هذه الاجتماعات السنوية». وهنا عبّر «سي أحمد» عن الشعور الذي انتابه وقد سبق سؤالي في المجال، هذا لأن بورقيبة واقف وكلا الوفدين التونسي والامريكي يستمعان الى القصة، وكان الرجلان يتحدثان بالانقليزية... وقال «سي أحمد»: وقتها قلت «يا ستّار أستر»...كنت وقتها في 1961 جديدا في المالية وكان كيندي جديدا في الرئاسة... شكرته بطبيعة الحال... أنا شعرت بطبيعة الحال، أو خشيت (بالاحرى) أن تقع تفاسير مسمومة... لهذه القصة... كان حديث كيندي مع بن صالح ملفتا... ولكن القصة لن تنتهي عند هذا الحد... فمن الغد، كان العشاء الذي دعا اليه بورقيبة نظيره الامريكي... فما الذي جرى... خلال السهرة أي بعد العشاء الذي أقامه كيندي... وأمضى وقتا لا بأس به يتحادث مع بن صالح... وما الذي جرى خلال المأدبة التي أقامها بورقيبة على شرف كيندي؟ هذا ما سنراه غدا إن شاء الله...