حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي للشخصيات دور في حياة الانسان... وبالنسبة ل «سي أحمد» فقد كشف النقاب عن أسماء سياسية عبر العالم، عرفها وعايشها... وكان التأثّر متبادلا بين صاحب المذكّرات ومن عرف وعايش من شخصيات دولية، «عبر المسيرة في الخارج» كما يقول ذلك بنفسه. رأينا في الحلقة الفارطة، كيف تعرّف «سي أحمد» على شخصية «تاج إيرلندار» الوزير الاول السويدي، سنة 1953، بمناسبة إنعقاد مؤتمر «السيزل» (الكنفدرالية العالمية للنقابات الحرّة) في العاصمة السويدية ستوكهولم... وجد «سي أحمد» تجاوبا من «إيرلندار» تجاه ما بسطه من وجهة نظر حول تونس، والنضال الوطني والاتحاد العام التونسي للشغل، أحد أهم مكوّنات الحركة الوطنية... وكان حشاد قد استشهد قبل أشهر... يقول «سي أحمد» مضيفا وكاشفا النقاب عن تأسيس هذه العلاقة مع السويد و«إيرلندار» بالذات: «مرّت السنوات (بعد أن تم التعارف بين الرجلين: الشاب أحمد بن صالح الذي كان يعمل بالسيزل في بروكسيل آنذاك و«إيرلندار» الذي كان يشغل منصب الوزير الاول في السويد) وفي فترة من الزمن «لما كنت مسؤولا عن الصحة والشؤون الاجتماعية (وزير) كلّمني يوما سفير السويد لدى تونس، ليعلمني بصورة شخصية، بأن الوزير الأول «تاج ايرلندار» قرّر أن يقضّي عطلةرأس السنة الميلادية في تونس...وكانت زيارة شخصية طبعا... وأعلمني أنه يصل في الوقت الفلاني... كانت زيارة غير رسمية بطبيعة الحال، ولكن السفير السويدي أعلمني بها، لأنه يعرف طبيعة وتاريخ علاقتي بإيرلندار التي بدأت منذ سنة 1953... ذهبت الى المطار لاستقبال إيرلندار بصفة صديق... وكان الرجل مقرّ العزم على زيارة قرطاج (الآثار) والأماكن المحيطة، هو وزوجته.. كما استضفته هو وزوجته وكنت أنا وزوجتي والأخ أحمد نورالدين وزوجته وقضيّنا ليلة رأس السنة بنزل بجربة... توطّدت العلاقة حينئذ وتجسّمت في علاقات جديدة مع عدد من المسؤولين السويديين، ثم تجدّدت مرّة أخرى، في مساهمة السويد في انجاز مشاريعنا التنموية هنا في تونس. وقد ذكرنا في الأحاديث السابقة، وعبر هذا الركن مثال مشروع قليبية المتكامل والمتنوّع: المدرسة لتكوين البحّارة ووحدة رعاية الأم والطفل (وهي أول وحدة في تونس)، والميناء... وطبعا، تلك الفترة، أي فترة مساهمتي في الحكومة التونسية، دعاني الوزير الاول السويدي (إيرلندار) الى زيارة رسمية الى السويد، وفوجئت عندما وصلت الى مطار «ستوكهولم» وهو الوزير الاول في بلاده (أعلى سلطة تنفيذية لأن السويد ملكية دستورية) فوجئت به، وهو يستقبلني...وكان معه كاتبه (بمثابة رئيس ديوانه) أولوف بالمه، وقد سأل أكثر من صحفي كان حاضرا في المطار، «إيرلندار»: ماذا يعني استقبالك للوزير التونسي بنفسك (كان سي احمد وزيرا للتخطيط والاقتصاد) في اشارة من الصحفيين الى المرتبة، أي أنه من المفترض ان يقع استقباله من قبل نظيره في الحكومة السويدية. فأجابهم ايرلندار يواصل سي احمد بصوت حازم: إنه صديقي...» ثم تواصلت اقامتي باستوكهولم، وأذكر انه من الغد كان عندي برنامج لزيارة مكتب الوزير الاول، واستقبلني.. «أولوف بالمه» وبدأنا جلسة على انفراد بيني وبين «ايرلندار» ولم تدم الجلسة طويلا حتى قال لي وبدون ان يوضح الأمر او يفسّره: أنت ستصطحبني الآن... وكان لي ذلك، حيث رافقته عبر أروقة الوزارة الأولى، ثم استوقفني أمام قاعة والتفت اليّ وقال: «هذه القاعة التي ستدخلها... أقول لك انه ولأول مرة في تاريخ السويد، سوف يحضر انسان غير سويدي ويشارك في مداولات في هيئة ملكية تكوّنت أخيرا وتسمى «الهيئة الملكية للتعاون الدولي»، لتدرس ما يمكن من توجهات السويد للتعاون الاقتصادي والتنموي مع الخارج». وأضاف «إيرلندار» : «ها نحن سيد بن صالح، نفتتح أعمالها بما ستبسطه لنا من آراء في هذا الموضوع». دخلنا القاعة وجلسنا وقمت بما طلب منّي، وكان سفير تونس لدى السويد اذّاك حاضرا معي... ويظهر أن الأمر تم على أحسن ما يرام... وقع نقاش حيّ... ثم خرجنا... وتواصلت العلاقات متينة جدا معه (إيرلندار) ومع الحزب الاشتراكي وتدعمت بما أنجز... وقد تحدثنا عن موقف وزير المالية السويدي «قونّار سترانغ» «Gunnart Strang» وكان بالمناسبة محترزا في موضوع تكثيف التعاون السويدي مع الخارج. ولكن بعد مدة (نظرا لهذه العلاقات التي توطدت) وعندما كنت في المنفى دعيت الى حضور ملتقى سويدي خاص بتقييم السياسة التعاونية السويدية من الستينات (أي منذ انطلقت) الى الثمانينات، كما دعي الصديق وزير المالية الاسبق (سترانغ) الذي كان متقاعدا وكان أولون بالمه وزيرا أول بالسويد، وفي بداية كلمته التي ألقاها بالمناسبة، ذكر بالمه في ما ذكر، بالقول: «إنّ مجهودنا التعاوني في التنمية كان صعبا... في الأول وذلك لاحتراز شديد من طرف زميلنا وصديقنا وزير المالية «سترانغ» وكنّا في حيرة معه، أي كيف نقنعه بالانسجام معنا في هذه المسيرة التعاونية مع الخارج، وأخيرا قررنا ان نبعثه الى صديقنا احمد بن صالح، لزيارة تونس... وبعد أسبوع رجع «سترانغ» واذا بالاحترازات التي كانت لديه زالت...» هكذا تكلم بالمه فذكّر بمسيرة العلاقة مع الوزير السويدي... قلت ل«سي احمد»: سترانغ» هذا هل هو الوزير الذي ترك لك في نص الاتفاقية فراغين، وبعث بها ممضاة من لدنه اليك في تونس؟ فقال: نعم هذا هو نفسه... ول«سي احمد» قصة أخرى طريفة مع الوزير «سترانغ» قبل ان يرفع جميع الاحترازات... وهي قصة أثارها في الحقيقة «ايرلندار»... ...فإلى الحلقة القادمة إن شاء الله