تعيش المنطقة العربية هذه الأيام تحديات رهيبة لا تقبل الشك وباتت مهددة في الصميم بسبب الانقسامات والخيانات حيث ان عقود مضت من التواطؤ والصمت المخزي الذي لف مواقف العرب تجاه الشطحات الهستيرية للكيان الصهيوني بحق الاخوة بفلسطين والعراق وغير ذلك من صنوف الهجمية المعاصرة حيث العرب والمسلمين في مقدمة ضحاياها. فلم ينفع صراخ الاطفال ولا عويل النساء ولا صيحات العجائز في جعلنا نرتقي لمستوى الاخوة التي تفرض فعل ادنى شيء لرفع الظلم عن اناس عزل في مواجهة أعتى عنصرية عرفها تاريخ البشرية هدفها اقتلاع الجذور وفسخ التاريخ ومصادرة حق الحياة لكل ما يمت للعروبة والاسلام بصلة حتى جاءت واقعة اسطول الحرية لتضع العالم أمام مسؤوليات ولتلفت نظره الى حجم المأساة والكم الهائل من القهر وبشاعة الفعل الصهيوني الذي يتصاعد من يوم لآخر على امتداد الجغرافيا العربية والاسلامية والذي يعد خبزها اليومي. فهل كنا بحاجة بعد نومتنا العميقة لمثل المبادرة التركية الفحلة لرفع صوتنا مع غيرنا رافضين ما يعانيه الاخوة بغزة خاصة؟ لقد أوصلنا التخاذل الى ضياع القضية حتى أصبح سقف مطالبنا العودة لحدود 67 واستمرار الغطرسة والتعنت الصهيوني ورفع الحصار بصوت هامس ومحتشم ألم نخجل من انفسنا أمام المواقف الشهمة والشجاعة التي وقفها أحباؤنا بتركيا وخاصة الفاضل طيب أردوغان تجاه مأساة اخواننا فيما نحن عجزنا حتى عن التنديد بصوت عال لأننا نفتقر الى جرعات ضافية من الشهامة والفحولة التي قد يوفرها لنا أسطول الحرية الثاني؟ لقد حان الوقت لنقر أن اسرائيل موجودة برضائنا وارادتنا وأنها أضعف ما يكون لو امتلكنا الرجولة للتعامل معها بندية واصرار فقد أظهرت عجزها في محاربة مقاومي حزب الله ولنا في حرب جويلية 2006 خير برهان. من يزرع القنابل لا يحصد العنب في مقابل ما رأيناه من انصار السلام والعدل ماذا فعل العرب غير التنديد بين أربعة جدران والعنتريات التي ما قتلت ذبابة؟ عفوا قد نسيت فقد حصل انجاز يعد سابقة خطيرة وهامة، ففي اجتماع عربي طارئ تمخض عن قرارات غير مسبوقة قد هدد العرب بقوة هذه المرة بتجميد عملية التطبيع ما لم تعد اسرائيل الى الجادة وتكتفي مستقبلا بقتل الفلسطينيين فقط دون المساس بالضيوف الاجانب من محبي السلام في العالم؟ وبعد هذا الاجتماع تأكد ان العرب فقدوا آخر علامات السيادة واستقلال الموقف السياسي مؤكدين للعالم بأسره انهم فاشلون بمفردهم ولو لا تواطئهم وتخاذلهم لما امتدت المأساة التي أفرزت مزيد الاستيطان وترسيخ الاحتلال والتحريض على التدمير والقصف والاغتيالات وفي ظل هذا الانهيار المريع وعجز الانظمة العربية على اتخاذ خطوات ايجابية تقربها من شعوبها التي هجرتها وتشبثت بزعامات اقليمية جديدة على رأسها اردوغان والمطلوب تجاوز المبادرات الأمريكية العقيمة التي تدعي السعي لحل الصراع العربي الصهيوني ولكن الثابت أن ما تقوم به ذر للرماد لا أكثر فنحن أكلنا كما يقول المثل العامي التونسي ما أكل الطبل يوم العيد أول ليلة العرس من اسرائيل وأمريكا والغرب ومع ذلك لم نصرخ وبقينا خانعين مستسلمين كأننا جثث تمشي على اثنين والآتي أعظم وأدهى حسب ما يطبخ في كواليس الاعداء والمتآمرين من تعطيش وتجويع وتسميم وتهجير وتقسيم ومن ينجو من هذا كله لا مفر له من الذبح و«التجزير». فهل من منقذ لصيحة الفزع المدوية بحجم الوطن العربي الممتد من النكبة التي أصبحت واقعا معاشا الى النكسة ثم الى الكنسة التي ستريح العرب لأنها ستجعلهم ينقرضون نهائيا على غرار الديناصورات؟