سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مذكرات سياسي في «الشروق» : الأستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأول مرة (304) بن صالح يجيب القرّاء عن تساؤلاتهم: في قصر الرئيس رفضت جلسة لاعادة النظر في الأحكام القضائية
حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي تونس الشروق: كان الرئيس بورقيبة ولمدة زمنية معيّنة، يقيم جلسة «قضائية» في القصر الرئاسي، يعيد فيها النظر في أحكام وقضايا الحق العام... هذا الاجراء، لم يكن محل رضاء «سي أحمد»، لأن فيه تجاوزا للمؤسسة، ولكنه لم يكن لا من المشاركين في مثل هذه الجلسات، التي كانت تبثّ وقائعها عبر شاشة التلفزة التونسية، ولا من المستحسنين لوقوعها. لكن حصل وأن طرحت على أنظار رئيس الجمهورية قضيّة، أراد بورقيبة ان يحضر وقائعها «سي احمد» بن صالح... ولئن، قصّ «سي أحمد» هذه القصّة آنفا، ولم تنشر، حيث كنت أودّ أن أدرجها ضمن آخر الحلقات حول بورقيبة وبن صالح، لكن سؤالا ورد عبر الفاكس، لأحد القرّاء، يذكر بالقصّة، وكيف أن طلب بورقيبة ل «بن صالح» كي يحضر في جلسة تهم قصّة فتاة من المكنين، كانت عن طريق الوالي عمر شاشية (والي سوسة والقيروان ونابل). يقول «سي أحمد» بعد أن سألته: «بالفعل، كان بورقيبة ولمدّة زمنية معيّنة، وكل يوم خميس، يقيم جلسة يلغي فيها بعض الاحكام الصادرة عن المحاكم، خاصة في ما يتعلّق بخصومات زوجية... أو اختلافات عائلية صدرت بشأنها أحكام... وكان الرئيس بورقيبة، والى جانبه وزير العدل، يعيد النظر في قضايا «المجتمع» التي صدرت بشأنها أحكام... وفي يوم من الأيام، جاءني الساعي بالوزارة، ليعلن عن زيارة الوالي (سوسة ونابل والقيروان) عمر شاشية، بدون موعد أو اعلام سابق، حيث تبيّن أنه مبعوث من الرئيس بورقيبة، اذ قال لي: «إن الرئيس، يطلب منك، أن تحضر معنا الخميس القادم، جلسة من «جلسات العدلية» بالقصر الرئاسي» فقلت له: «وما علاقتي أنا بهذا الامر؟» فقصّْ علي عمر شاشية، مبعوث الرئيس، القصّة. ما القصّة؟ هناك تلميذة من المكنين، تدرس بالمعهد الثانوي للفتيات بسوسة، تعلّقت بأستاذ لها وتعلّق بها... ونشأت بينهما، على ما يبدو علاقة حب... ولما انتهت السنة الدراسية، رجعت الى المكنين، ورجع الاستاذ الى بلدته... (لم تكن المكنين بطبيعة الحال) ولما حلّت السنة الدراسية الجديدة، لم تجد الفتاة، أستاذها... ولا تعرف أين ذهب... ولا جهته الى أين... تملّكها «جنون الحب» على ما يبدو... وهناك من يكون قد نصحها بأن تبعث رسالة الى رئيس الجمهورية... ففعلت... ولما بلغت الرسالة التي تحوي القصّة، رئيس الجمهورية، أراد (بورقيبة) أن يقيم جلسة لفضّ الموضوع... قصّ علي «عمر شاشية» الحكاية، من ألفها الى يائها، فقلت له: «يا سي عمر، لن أحضر...» فقال في بهتة وهو غير مصدّق أنني أرفض طلبا للرئيس: «كيف... انه الرئيس...» فقاطعته بالقول: «نعم، لن أحضر...» فقال متابعا وهو في دهشة متواصلة: «لكن... هذا الرئيس...» فقلت له: «أبدا... لن أحضر الجلسة... أنا من المكنين ورئيس بلدية الجهة، وأنا شخصيا لست متّفقا على أن تطبق العدالة اوينظر فيها في القصر الجمهوري... لكن إذا الكل صامت وموافق... فأنا لا يهمّني الأمر...». فقال عمر شاشية والدهشة لم تفارق تقاسيم وجهه: «كيف ذلك؟ كيف أقول للرئيس ذلك؟» فقلت له: «إذا لا تقل له أنت، فسأتولّى أنا اعلامه بموقفي» وخرج عمر شاشية مشدوها، وكنت قد اقترحت عليه وهو يقصّ عليّ القصّة، بأنه يمكن حل الموضوع بطريقة أخرى، أن ننادي لكبار المكنين (من المسنّين) ونحلّ المشكل داخليا دون تلفزيون... ولا اعلام... وذهبت الى بورقيبة، وبيّنت له وجهة نظري مؤكّدا على أنني في المكنين، وكيف يمكن ان أتصرّف في مثل هذا الموضوع بما يرتئيه بورقيبة... كان ذلك خلال الجلسة الاسبوعية التي تلت قدوم الوالي عمر شاشية، وأعلمني بالأمر... فقد كانت تجمعني أسبوعيا، جلسة عادية مع بورقيبة، وقد تحدّثت عنها سابقا... قلت لبورقيبة: «لا يمكن أن أحضر في مسألة مثل هذه، قصّة تهم فتاة من المكنين، فأنت تعرف أهل المكنين أكثر مني، سيد الرئيس»، فقال لي بورقيبة آخر الحديث: صحيح، يا سي أحمد، معك حق... إذ قلت لبورقيبة كذلك، وخلال نفس الجلسة، «كيف سيكون موقفي اذا بثّ البرنامج أو الجلسة في التلفزة...» فما كان منه الا أن أعاد القول وهو يبتسم: «والله عندك الحق»... وفعلا لم تتم الجلسة، وما أتذكّره، وأتمنى أن لا أكون مخطئا، لم أسمع أن جلسة أخرى، من جلسات العدلية في القصر الرئاسي، قام بها بورقيبة.. إذن قلت «لاء» لبورقيبة ونجحت اللاء... لأن بورقيبة يعرف جيّدا أن لي موقفا لا أخفيه كلّما سئلت... فإلى حلقة أخرى، ان شاء الله، وأسئلة التي لم تعد كثيرة.