قيل ان الرئيس الامريكي باراك اوباما دخل أمام وزيره للدفاع في صورة غضب لم يدخلها رئيس قبله بعدما بلغه ما نقلته مجلة (رولينغ ستاون) عن الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الامريكية والاطلسية في افغانستان... فهذا الجنرال غمز باختيارات الرئيس للحرب ووصف مستشاره للامن القومي الجنرال ( جيمس جونز) ب «المهرج» ولم يسلم من نقده اللاذع واستهزائه نائب الرئيس (جو بايدن) وسفيره في كابول (كارل ايكنبري) وهو ايضا جنرال ومبعوثه الى افغانستان والباكستان ريتشارد هولبروك.. وجيء بماكريستال «القائد الشارد» كما وصفته المجلة من كابول ليقابل الرئيس ربع ساعة تؤخذ فيها الصور التذكارية قبل الاعلان عن عزله او «استقالته» وتعويضه ب«الجندي المثقف» الجنرال (دافيد باتريوس) قائد القيادة المركزية الامريكية أي القيادة المسؤولة عن العمليات في منطقة الشرق الاوسط أي قائد القوات المحتلة في العراق. وهكذا اصبح للامريكيين قصة اخرى تروى في تاريخهم.. وصادق من يقول انه لولا الحروب والجنرالات بانتصاراتهم وإخفاقاتهم ما وجد الامريكي ما يتحدث به عن «تاريخه» لانه ببساطة ليس للامريكيين تاريخ يروى ذلك انه لا يتعدى كثيرا القرنين من الزمان بالرغم مما بلغته الولاياتالمتحدة من غنى وقوة وعتو. وقد كان للجنرالات دوما صيت وذكر بل وقداسة احيانا للبعض في المجتمع الامريكي الذي ورث عن اجداده المؤسسين تقديس القوة وعقلية (الكاوبوي) الذي لا يمكن ان يكون الا قاتلا او مقتولا.. والمجد لمن انتصر والخزي لمن أصابه الوهن وانكسر.. و«التاريخ» الامريكي بدأ كما هو معروف بحروب صغيرة اباد فيها المهاجرون من اوروبا السكان الاصليين للقارة التي زعموا انها «جديدة» وانهم «اكتشفوها» وهي التي تشهد أهراماتها على عراقة حضاراتها وقدم الوجود البشري فيها.. وفي تلك الحروب الاستكشافية خلد الامريكيون قائدا عسكريا هو الجنرال (جورج كاستر) الذي مني بهزيمة نكراء في صيف عام 1876 على ايدي زعيم هندي كبير لقب (الثور الجالس) في موقعة ( ليتل بيغهورن) حيث أبيد كاستر ورجاله عن آخرهم وغدا شخصية تراجيدية لدى الامريكيين.. وبعد حروب «الاستكشاف» واستعمار الارض جاءت حرب الاستقلال عن الانقليز(الاستقلال بتاريخ 4 جويلية 1776 )وكان قائد القوات الامريكية فيها (جورج واشنطن) الذي كان ايضا جنرالا وانتصر وانتخب رئيسا لفترتين ايضا (1789 /1797 )... ولان (تيودور روزفلت ) قاد كتيبة هزمت الاسبان في كوبا واشتهر كصائد دببة وبحار وملاكم ومغامر/أي انه جمع مظاهر القوة التي يعشقها احفاد الكاوبوي فقد ادخله الامريكيون البيت الابيض لفترتين (1901/1909) بعدما تحول في تقييمهم الى بطل قومي.. وحول الامريكيون الجنرال(جون بارشينغ) الى اسطورةبعد قيادته للقوات الامريكية في اوروبا في الحرب العالمية الاولى ومنحوه اعلى رتبة عسكرية عرفتها امريكا (وقد منحت ايضا لجورج واشنطن بعد وفاته).. ومثل هؤلاء الجنرال (ماك آرثر) الشهير الذي خرج من الفيلبين مهزوما على ايدي اليابانيين في الحرب العالمية الثانية وهو يقول (سأعود ) وعاد فعلا وحرص على ان يتولى بنفسه استلام وثيقة الاستسلام من اليابانيين وكتب دستور اليابان وحكم اليابانيين فترة كملك غير متوج.. ويفخر الامريكيون بالجنرال (جورج باتون) الذي ينعتونه ب«محرر أوروبا» في الحرب العالمية الثانية وبالجنرال (عمر برادلي) وغيرهم وقد اطلقوا اسماءهم على اسلحة انتجتها امريكا مثل برادلي على دبابة وبارشينغ على دبابة وصاروخ باليستي الخ...واذا كان الامريكان قد قدسوا بعض الجنرالات فانهم استهزؤوا بآخرين لعل أشهرهم الجنرال (واستمورلند ) الذي ذاق طعم الهزائم المر في فيتنام ومات وهو يردد ان امريكا لم تهزم في فيتنام... خلاصة القول ان جنرالات امريكا تحولوا الى فصول تروى في «التاريخ» الامريكي القصير ويجد فيهم الامريكيون صناعا لفصول في هذا التاريخ بمن فيهم من عزل ومن استقال أو أقيل. . وما «استقالة» الجنرال (ماكريستال) الا فصل في هذا التاريخ لكن اهم ما في هذا الفصل وفي هذه الاستقالة هو ما تشير اليه وما تحمله من معان أهمها انها دليل على تخبط الولاياتالمتحدة في المستنقع الافغاني. فكريستال انتقد واستهزأ فرحل لان البيت الابيض والبنتاغون لم تستقم لهم استراتيجية في الحرب الافغانية ليس بسبب سوء التخطيط ولكن لان ما يلاقونه من مقاومة تجعل ما يجري في الميدان يخالف دوما ما وضع في الحسبان...