أقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما قائد القوات الدولية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال بعد ادلاء الاخير بتصريحات قاسية طالت نائب الرئيس جوزيف بايدن والسفير الامريكي في افغانستان كارل إيكنبري ومبعوث البيت الابيض لاسلام أباد وكابول ريتشارد هولبروك. ولو اقتصرت انتقادات ماكريستال على إيكنبري وهولبروك. لكان رد فعل البيت الابيض أقل قسوة ولاكتفى الرئيس الأمريكي بلفت نظر ماكريستال، لكن يبدو أن «استهداف» نائب الرئيس كانت القطرة التي أفاضت الكأس، لتنتهي الأمور باقالة جنرال الحرب وقائد القوات الامريكية الخاصة في العراق وأفغانستان وهي الوحدة السرية التي نفذت عمليات ناجحة بالمقياس العسكري وحققت أكثر الاهداف المرسومة ضمن استراتيجية ما يسمى بتصفية قادة «القاعدة» وقادة المقاومة في كل من العراق وأفغانستان. إعداد محمد الهادي الحيدري حقيقة الخلافات بين ماكريستال وجوزيف بايدن (أوجو كما يناديه الامريكان) قد تكون اكبر مما تسرب من معلومات، ولكنها تكشف على الأقل أوجه الاختلاف بين التنظير السياسي والتقييم العسكري... اختلاف تحول بفعل التراكمات الى خلافات وتوترات دائمة بين عسكري ميداني خبر المعارك على خط النار، وبين سياسي بعيد عن جبهة المواجهة بآلاف الكيلومترات. ماكريستال أو جنرال الحرب كان يبحث عن نصر عسكري بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية، وجوبايدن كان يبحث عن تأمين مواقع نفوذ سياسي في أمريكا وانتصار عسكري في الخارج بأقل التكاليف الممكنة. رجل الظل لم يسبق للجنرال ماكريستال الادلاء بتصريحات ساخرة تطال مسؤولين كبار في البيت الابيض، وهو من الشخصيات العسكرية الرصينة ولا يحبذ الهالة الاعلامية، كان دائما منذ إلتحاقه بالجيش والتدرج في الرتب حتى أصبح قائدا للقوات الدولية يعمل في صمت بعيدا عن الأضواء، وهو كما يصنفه المراقبون «رجل الظل». العسكري الطموح، خرج عن صمته ولم يقرأ عواقب تهكمه على نائب الرئيس وعلى مسؤولين كبار، تهكم رأى فيه البيت الابيض مساسا بهيبة القيادة السياسية والعسكرية، ليس هذا فحسب، بل ان تصريحات ماكريستال لمجلة «رولينغ ستون»، اعتبرت خروجا عن القوانين العسكرية، ومنغصات عكّرت الأجواء داخل البيت الابيض، وأحرجت الرئيس الامريكي الذي تواجه ادارته تحديات كبيرة في الداخل والخارج. اصطفاه الرئيس باراك أوباما لما يتمتع به من خبرة وكفاءة عسكرية، على أمل ان يخرج الادارة الامريكية من المستنقع الافغاني ووضع حد لحالة الاستنزاف السياسي والعسكري للولايات المتحدة، فما كان منه الا ان قدم استراتيجية جديدة تقوم على زيادة عدد القوات هناك، ونجح في انتزاع موافقة أوباما على ارسال 30 ألف جندي اضافي الى أفغانستان. وكان جوبايدن من أشد المعارضين لهذه الاستراتيجية، ليبدأ الصدام خاصة بعد نجاح ماكريستال في اقناع الرئيس بارسال قوات إضافية. وتقول مصادر أمريكية ان الخلافات بين الرجلين انطلقت منذ تلك اللحظة أي في الخريف الماضي، مع احساس بايدن بعظمة نفوذ ماكريستال وقدرته على التأثير، مقابل عجزه هو عن اقناع أوباما باستراتيجية تقوم على مكافحة محدودة ل «التمرد» في أفغانستان والتركيز على استهداف قادة «طالبان» و«القاعدة» بعمليات قصف جراحية. استمر بايدن في التشكيك في استراتيجية ماكريستال لكن لكي تثبت صحة وجهة نظره يجب ان تفشل استراتيجية ماكريستال. ومن المعروف عن بايدن انه من أشد الموالين لاسرائيل، وهو صاحب نظرية تقسيم العراق الى 3 فيدراليات: سنية وشيعية وكردية. يؤمن بجدوى العقوبات على إيران، وبالتدخل العسكري في اقليم دارفور. بإقالة ماكريستال أسدل الستار على الفصل ا لاول من الخلافات داخل البيت الابيض، لكن الملف لا يزال مفتوحا في انتظار قادم الايام، فالتنظير السياسي شيء والعمل العسكري الميداني شيء آخر، مما يجعل الصدام بين الامرين حتميا في غالب الاحيان.