تنطلق غدا أولى حلقات التوجيه الجامعي بتسلّم الناجحين بطاقات الاختيار من معاهدهم الأصلية لتعميرها. ويتوقع ان تجد مصالح الشؤون الطلابية عسرا لتوجيه الطلبة المتميزين الذين ارتفعت نسبتهم هذا العام، وضغطا على الشعب «النبيلة» بارتفاع سقف الدخول اليها. وإذا كان متأكدا ان كل الحاصلين على الباكالوريا ومهما كانت نتائجهم سيجدون مقاعد في مختلف المؤسسات الجامعية العمومية وفي شعب سيختارونها بأنفسهم، فإن منظومة التوجيه وفلسفته تبقى في حاجة الى تطوير وتنسيق أكبر. فالتكوين الجامعي لم يعد اليوم شأنا تتفرّد به مؤسسات التعليم العالي اذ ان كل جامعات العالم المتقدّم أصبحت تعتمد مقاربة جديدة تقوم على مثلث مؤسسات التعليم العالي ومراكز التكوين المهني والنسيج المؤسساتي في تنسيق تام يستهدف دفع تشغيلية الخريجين والرفع من تنافسية المؤسسة الاقتصادية. ولنعترف أننا في تونس نعاني من ضعف هذه العلاقة التفاعلية وهو ما تترجمه بطالة الخريجين وضعف نسبة التأطير في المؤسسات الاقتصادية التي تشكو اليوم نقصا على مستوى الفنيين الساميين الذين يمثلون الحلقة الوسطى والأبرز في عملية الانتاج والذين يتأتون في غالبهم من مراكز التكوين المهني وباختصاصات تحتاجها سوق الشغل. ولنعترف مرة أخرى ان النظرة الى جهاز التكوين المهني ظلت دونية في أوساط عديدة رغم التطوّر الذي بلغه القطاع ورغم فتح المعابر امام المتميزين من خريجيه للالتحاق بمدارس المهندسين ومنها مباشرة الى المؤسسات. ويبدو مستقبل مراكز التكوين المهني في تونس مشرقا، اذ هي مؤهلة الى رفد مؤسسات التعليم العالي في تكوين الإطارات بما يناسب سوق الشغل والمؤسسات الاقتصادية. ولاشك ان مراكز التكوين المهني ستصبح قريبا وجهة مفضلة لآلاف الحاصلين على الباكالوريا خاصة أن 50٪ من الناجحين مستقبلا سوف يكونون حاملين لما يسمى بالباكالوريا التكنولوجية. ويتطلب كسب هذا الرهان مزيد دفع وتوحيد جهود التكوين الجامعي وإصدار أدلة موحدة تضم كل الاختصاصات في تنسيق وانفتاح مع المحيط الاقتصادي والنسيج المؤسساتي.