دخلت العلاقات بين تركيا واسرائيل في نفق مظلم بعد اصرار أنقرة على الحصول على اعتذار اسرائيل عن جريمة اقتحام مراكب اسطول الحرية ودفع تعويضات لعائلات الضحايا وعناد تل أبيب ورفضها الاعتذار عن جريمتها. والواقع ان العارف بالطبيعة الدموية للكيان الصهيوني يدرك أن الاعتراف بالجرم والاعتذار عنه هو بمثابة اعلان وفاة للمشروع الصهيوني برمته.. هذا المشروع الذي قام على القتل والترويع والتهجير لاقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره وزرع شعب آخر مكانه تطبيقا لأكذوبة أن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب (اليهود) بلا أرض»... وهذا المشروع يستمر بنفس الوسائل والأساليب.. وحدها الأدوات تغيرت.. والقسوة التي تعامل بها الصهاينة أثناء العدوان على غزة خير شاهد.. حيث اعتمد سياسة التدمير الممنهج غير عابئ باستعمال الأسلحة المحظورة دوليا من قبيل الفسفور الأبيض... كما ان اسرائيل التي زرعت بقرار أممي لم تعد تعترف بالقرارات الأممية ولا بالقانون الدولي ولا بقيم الحق والعدل... بل انها انبرت بدعم أمريكي مطلق وبإسناد غربي واضح فوق القانون الدولي وفوق المساءلة وفوق العقاب عن كل الجرائم التي ترتكبها يوميا.. من خلال القتل وتدمير المنازل واعتقال الأبرياء والزج بهم في الزنازين المظلمة... وكذلك من خلال احتلال كل الاراضي الفلسطينية واطلاق غول الاستيطان وجدار الفصل العنصري يبتلعان ما وقع في دائرة الاطماع الصهيونية ومن خلال حصار غزة وهو بمثابة جريمة إبادة جماعية. وحين تطالب تركيا كيانا بهذه الوحشية والشراسة عن الاعتذار لما أتاه من جرم في حق اسطول الحرية فكأنما تطالب هذا الكيان بالتخلي عن طباعه الشرسة وعن عدوانيته المدمرة... وكأنما تطالبه بالعودة الى مربع القانون الدولي والقيم الانسانية التي تجعل المخطئ يدرك خطأه فيتراجع ويعتذر عنه ويعمل على اصلاح آثاره. حين تطالب تركيا اسرائيل بالاعتذار فكأنما تطالبها بالاعتذار عن تدمير الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه وتشريد شعبه واستباحة مقدساته... وهذه جرائم تتخذ منها اسرائيل أسسا ودعائم لكيانها ولمشروعها الاستعماري في المنطقة. لذلك فإنها لن تعتذر عن جريمتها وستقدم على تجرّع كأس الحنظل التركي وتقبل بدفع فاتورة اقدام أنقرة على قطع العلاقات... وهي بذلك لن تزيد الا في كشف عورتها وفي تعرية طبيعتها العدوانية الشرسة امام المجتمع الدولي الذي بدأ الخيّرون فيه يضجّون من بطش هذا الكيان ويدعون الى زجر عدوانيته. وسوف لن يكون أفظع من العدوان على أسطول الحرية الا رفض الاعتذار الى الشعب التركي... وهو رفض يدحض أكذوبة أن اسرائيل «كيان ديمقراطي» وسط «غابة من الوحوش»... فما أتته هو الوحشية بعينها ورفض الاعتذار عن الجرم لا يصدر الا عن كيان دستوره البلطجة والجريمة.