تونس الخضراء، هكذا تسمى، وهكذا نريدها على الدوام للشجرة عندنا وزن وثقل من ثمارها ننعم وبها نتظلل وبها يتعدل المناخ والمزاج ويرتاح لاخضرارها البصر وتستريح النفوس فهي محمية قانونا وعادة وارثا، وزارعها ممدوح وممنوح بأكثر من منحة ومأجور بأكثر من أجر من كل دابة على الأرض. لذلك أقمنا لها عيدا سنويا فيه نغرس ونسقي ونرعى المغروس بعين مفتوحة وأخرى ثاقبة حتى تكون تونس الخضراء أكثر اخضرارا وينوعة وثمارا وظلالا في الارياف والقرى كما في المدن حيث تعمل البلديات على تحطيم الارقام القياسية في معدل مساحة الاخضرار بكل ساكن من سكانها وعديدة هي البلديات التي انخرطت في هذا التنافس المثمر حتى وان بقيت قلة من هذه البلديات على ندرتها مكتفية باخضرار مواسم «البك» والاعشاب الطفيلية الناعمة والشائكة وتتلذذ النفخ في «مزود» الارقام المنفوخة في كل عرس وطني أو جهوي أو محلي يقام للشجرة للزينة كانت أم مثمرة. بالأمس فقط وقبل الامس هبت جحافل المتطوعين لغراسة الاشجار على حواشي الطرقات وبالامس البعيد وبالامس القريب جدا كانت الادارة تسقي وترعى ذلك المغروس كما لو كانت أما وأبا وعما وعمة وخالا وخالة لذلك المغروس الصغير من يوم ميلاده ذلك العيد المجيد الى أن يشتد عوده فمالنا اليوم نرى الاشجار التي تجندت لها جموع التونسيين لغراستها على حواشي طرقاتنا تجندت لها أكثر من ادارة لتقليعها وبيعها حطبا وشمر أكثر من مقاول على ذراعيه وتوكل على المزاد العلني في بتر الجذوع وحش الجذور ولسان حاله يقول «ذراعك يا علاف» ولم نر من تجرأ وعوض المقلوع والمحشوش ولو بشجرة «خروع» وحتى لا يبقى «البك» على حواشي الطرقات كما في بعض الاحياء شجرة تعلو ولا يعلى عليها أليس من أضعف الايمان أن ننادي جميعا وبصوت يعلو ولا يعلى عليه. «من عرى الطرقات يكسها». وفي انتظار من يسمعنا نرفض منه النصيحة للطرقات العارية بالقول: «غطي روحك» واليه نرجع النصيحة.