كشفت حملة مراقبة نفّذتها أول أمس مصالح وزارة التجارة والصناعات التقليدية عن عدم تقيّد جانب هام من أصحاب المقاهي وقاعات الشاي الفاخرة ببعض الضوابط القانونية المنظمة للقطاع على غرار الالتزام بالتعريفة المسموح بها واشهار الأسعار واعلام الحريف بها قبل تقديم المشروبات والمأكولات له اضافة الى البيع المشروط والامتناع عن بيع بعض ما يطلبه الحريف. وشملت الحملة عدة محلات بإقليم تونس الكبرى وتحديدا شارع بورقيبة وشارع الحرية ونهج مرسيليا... وكذلك مقاه بضفاف البحيرة والمنازه والمنارات وحي النصر وحلق الوادي والكرم وقرطاج وسيدي بوسعيد وأريانة والمرسى ومقرين ورادس والزهراء والمروج... ونفّذها حوالي 15 فريقا خلال الفترة المسائية التي يكثر فيها اقبال الحرفاء وخاصة العائلات على هذه الفضاءات وذلك في اطار الاستعداد من الآن للتصدي لهذه المظاهر قبل ان تتكاثر في الفترة القادمة وخاصة في رمضان. وقد حضرت «الشروق» الى جانب احدى فرق المراقبة في اطار هذه الحملة، واتضح ان عددا كبيرا من أصحاب هذه المحلات لا يلتزم بتطبيق القانون وهو ما نتج عنه رفع مخالفات وتحرير محاضر ضد أصحابها. من بين المخالفات الأكثر ارتكابا في هذا المجال، عدم اشهار الأسعار وعدم اعلام الحريف بها عبر المطويات فوق الطاولة او عبر تعليقها بوضوح في مكان بارز للعيان.. ورغم ان بعض المخالفين يعلّقون أسعارهم، فإن ذلك يكون بأحرف وأرقام صغيرة لا يمكن قراءتها، كما ان التعليق يكون دوما داخل المحل وهو ما لا يسمح لأغلب الحرفاء بالاطلاع على الأسعار بما ان الجانب الكبير منهم يفضل الجلوس في الفضاءات الخارجية للمحل حيث لا توجد سوى الطاولات والكراسي وقد وقع في هذا الاطار تحرير محضر ضد صاحب فضاء بضفاف البحيرة بدا واضحا ان حرفاءه لا يعلمون شيئا عن الاسعار الا عن الخلاص ويفاجئ بالتالي كثيرون بالفاتورة... وفي كل مرة يضطر أعوان المراقبة لتذكير صاحب المحل بأنه يمكن تفادي مثل هذه المظاهر بحركة بسيطة وهي طباعة الأسعار على ورقة ووضعها على الطاولات او مدّ الحريف بها عندما يجلس الى الطاولة حتى يكون على بيّنة من الأسعار ومن مدى استعداده ماديا للخلاص فيما بعد، وعندئذ إما أن يقبل بمواصلة الجلوس في ذلك المكان او البحث عن مكان آخر. مشروط... وامتناع ورغم تحرير عدة مخالفات في السابق بسبب ظاهرة البيع المشروط في هذه الفضاءات (اشتراط الماء والمرطبات) وبسبب ظاهرة الامتناع عن البيع (الامتناع عن بيع القهوة والشاي والاكتفاء ببيع العصائر والمشروبات الغازية لأن أسعارها أرفع) فإن أصحاب عدة مقاه فاخرة وقاعات شاي ما انفكوا يرتكبون مثل هذه المخالفات بشكل يومي، وهو ما أصبح محل تذمرات عديدة من المواطنين. وأصبح الامر يقتضي مزيد تشديد العقوبات على هؤلاء المخالفين وعدم الاكتفاء بمجرد الانذارات والتنبيهات. لكن من جهة أخرى، لابد من الاشارة الى ان عدة محلات أصبحت ملتزمة بالقانون وتمتنع عن هذه المظاهر وهو ما كشفته حملة المراقبة المذكورة حيث اتضح ان محلات فاخرة بجهات البحيرة والنصر تقدّم كل أنواع المشروبات بلا استثناء، بما فيها الشاي العادي والقهوة العادية وبأسعار معقولة، وهو ما انعكس ايجابيا عليهم من حيث ارتفاع عدد حرفائهم... فيما بدت فضاءات أخرى مخالفة للقانون، أقل حرفاء خاصة ان المواطن التونسي أصبح يميز بين الفضاءات «المتلاعبة بالقانون» والاخرى المحترمة للتراتيب والاجراءات، ومن الطبيعي ان يقاطع الاولى ويصبح حريفا وفيّا للثانية خاصة في ظل كثرة الالتزامات المالية للمواطن وعدم قدرته على تحمّل الأسعار الملتهبة... استثمارات جرت العادة ان يبرر أصحاب المقاهي المخالفة بعض تصرفاتهم بالقول انهم استثمروا أموالا طائلة في مشاريعهم وأنهم محاصرون بالديون وعليهم تحقيق مرابيح «معقولة» لتحقيق توازناتهم المالية، وهو ما كرّره هؤلاء على مسامع أعوان المراقبة في كل مرة يقع فيها تحرير محاضر ضدهم... غير ان بعض العمليات الحسابية البسيطة للمختصين في هذا المجال تؤكد دوما ان الأسعار التي تحددها التعريفة الاستثنائية الممنوحة لكل صاحب مقهى من هذا الصنف قادرة على توفير المرابيح المالية المطلوبة وبالتالي فإنه لا موجب لزيادة الترفيع في الأسعار مرة أخرى. كما ان مظاهر مثل البيع المشروط والامتناع عن البيع أصبحت حسب ما ذكره أصحاب مقاه ل«الشروق» مصدرا لنفور الحرفاء منهم خاصة ان التونسي أصبح واعيا في هذا المجال ولا يقبل الجلوس في مقهى يشترط عليه شراء مرطبات أو قارورة ماء وشاي باللوز وبالبندق او عصائر ويمتنع عن توفير قهوة عادية له... وبالتالي فإنه من الافضل لأصحاب مثل هذه المقاهي الامتناع عن هذه المظاهر حتى يستقطبوا أكثر ما يمكن من الحرفاء... ويبقى للمواطن الدور الأبرز في هذا المجال من خلال تصرفه الرشيد واختياره للفضاءات المناسبة لإمكاناته المادية.