عندما تحدثت اليه وجدته عليما محيطا بكل تفاصيل كرة القدم التونسية والعالمية اعتقدت للوهلة الاولى أنني ازاء مشهد مؤثر من مشاهد فيلم «أمير الظلام» عندما يقدم «الجنرال» في دور الاعمى الذي جسّده بامتياز الكوميدي عادل إمام وجماعته على تحدي ظلمات إعاقتهم ويداعبون الكرة ساخرين من الأقدار. صاحبنا الذي نحن بصدد الحديث عنه ليس سوى السيد خالد الشريف نائب رئيس النادي الرياضي لمنزل بوزلفة سابقا وتحديدا بين 2004 2008... وجد السيد خالد في كرة القدم متنفسا طليقا يزيح به عن صدره ما اكتظ من معاناة وهموم بعد ان سلبته الأقدار نعمة الابصار صغيرا منذ ان كان عمره ثلاث سنوات فقتلت فيه حاسة من الحواس الأساسية في حياة الانسان... لكنها لم تئد فيه تلك الرغبة الجامحة في الحياة وبلوغ أعلى المراتب. سافر السيد خالد الشريف (من مواليد 1972) الى سويسرا بعد اصابته بالعمى وأجرى عملية كانت ناجحة في بداية الامر لكن سرعان ما عاوده العمى (عمره آنذاك 4 سنوات) فأدرك ان الطبيب لن يؤخر ما قدمه القضاء... فرضي بعيشه ووضعه وأهوال الظلمات ولم يظل على ما حدث له مكتئبا.. كل ما في الارض ما كان ليعزيه عن فقدان بصره.. لكنه وجد ضالته في الساحرة المستديرة حيث ترعرع عاشقا لفريق الترجي فلم يكن يشاهد اللاعبين لكنه كان يدرك الحركة التي يقومون بها فوق الميدان ويكفي ان يكون مزوّدا بجهاز راديو لا يفارقه كلما تحوّل لمشاهدة مقابلات فريقه ربما لأن ا& عزّ وجلّ عوّضه عن البصر بالبصيرة كما قال الشاعر القيرواني «الضرير» «الحصري» أو ربما تكون الأذن تعشق قبل السمع... تحدث خالد عن عشقه لكرة القدم قائلا: «عشقي لكرة القدم ليس هروبا من الواقع كما يفعل بعضهم فقد كنت عاشقا للترجي دون ان أشاهده ويعود هذا العشق الى عام 1981 عندما قام بمقابلة بطولية في الدور نصف النهائي لكأس تونس أمام الملعب التونسي لكنه انهزم وهو ما جعلني أشعر بأنه فريق مظلوم وتمادى هذا العشق حتى لم أعد أتغيب عن اي مقابلة يخوضها الاحمر والاصفر وقد جبت كل ملاعب الجمهورية التونسية تقريبا ولم أتغيب عن الجلسات العامة للترجي منذ عام 1993 وحبي للترجي جعلني لا أبخل في خدمته فقد كنت وراء الحاق الثلاثي زين العابدين السويسي واسكندر الشيخ ومحمد علي بن حمودة بحديقة المرحوم حسّان بلخوجة بحكم علاقتي الجيدة بهم وهو ما جعلني أحظى بمكانة خاصة في قلوب العائلة الترجية خاصة السادة عزيز زهير وسليم شيبوب وحمدي المدب والشايبي وبوشماوي وزياد التلمساني وخالد بن يحيى وطارق ثابت... وتمثل كرة القدم متنفسي الحقيقي في الحياة وأنا من عشاق التعليق الجيد سواء عبر الاذاعات أو التلفزات ولم أخف عشقي أيضا بالمعلق التونسي مراد الزغيدي... وقد كانت أفضل ذكرى في حياتي ذلك اليوم الذي التقيت فيه بالرائع جورج وياه رفقة «مالديني» و«كستاكورتا» وقمت بالاحتفاظ بالصورة التي تجمعني بهم وذلك عندما قدموا رفقة «ميلان» الفريق الذي أعشقه لمواجهة الترجي آنذاك... وأتابع كل التفاصيل الخاصة بكرة القدم حتى أصبح بإمكاني تقييم اللاعبين ومردودهم فوق الملعب واتخذت صورا خاصة لبعض النجوم فأنا أدرك مثلا ان النيجيري مايكل انرامو يمتلك قوة بدنية هائلة وأدرك ان الاسباني «تشافي» لاعب أنيق وله رؤية شاملة فوق الميدان ويمثل القوة الضاربة في صفوف الاسبان بالرغم من قصر قامته.. كل ذلك أعرفه من خلال متابعتي الدقيقة لكل البرامج الرياضية والتعاليق والتحاليل الفنية... لكن عشقي لكرة القدم لا يكون على حساب حياتي المهنية والزوجية بما أنني موظف ومتزوج وأحاول جاهدا أن أساهم في ان تبلغ ابنتاي مريم (4 سنوات) وايلاء (عام واحد) أعلى المراتب... وربما قد تراودني خلال الايام القادمة فكرة العودة مجددا الى دفة التسيير صلب النادي الرياضي لمنزل بوزلفة...»