خيمت أجواء الحرب الباردة في الآونة الاخيرة على الأجواء السياسية الروسية والأمريكية مع ظهور قصة الجواسيس الروس الذين قالت الولاياتالمتحدة انهم نشطوا على أراضيها منذ عشرة أعوام، وسرعان ما انقشعت سحابة «الصيف» هذه بإعلان الطرفين عن اجراء صفقة لتبادل الجواسيس وقد انجزت بلمح البصر. ونظرا للغموض الذي اكتنف كلا المرحلتين الكشف عن الجواسيس الروس وصفقة التبادل» في هذا «الفيلم القصير» سلطت «الشروق» الضوء على قصة الجواسيس في محاولة لتلخيص التطورات التي شهدتها والتفاصيل التي أخفتها. اتهامات غامضة اكتنف الغموض الذي تحدثنا عنه كل مراحل وحيثيات قضية الجواسيس الروس حتى ان الاتهامات الموجهة للموقوفين بدت غريبة نوعا ما. فقد أعد مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي «اف. بي. اي» ملفا اتهاميا من 55 صفحة كشف فيه عن وجود 11 جاسوسا مفترضا من روسيا تهمتهم انهم انتحلوا هويات أمريكية مزيفة وعاشوا في الولاياتالمتحدة منذ اكثر من عشر سنوات. اذن فالتجسس لم يكن التهمة الرئيسية في ملف الاتهام بل كانت التهمة الاقامة غير الشرعية في الولاياتالمتحدة وتبييض الاموال، وهو ما جعل الجواسيس المزعومين مجرد مقيمين غير شرعيين مارسوا أعمالا اقتصادية مشبوهة. وجاء في ملف الاتهامات ايضا ان المعتقلين هم جواسيس من ضمن برنامج لأشخاص غير شرعيين سعت من خلاله خدمة الاستخبارات الخارجية الروسية الى زرعهم داخل الولاياتالمتحدة لجمع معلومات وتجنيد المزيد من العملاء. وهنا جزء آخر من الغموض الأمريكي فكيف يجند الروس جواسيس غير شرعيين في الوقت الذي تخول فيه الاتفاقيات الدولية ممارسة الجوسسة بطرق «شرعية». وتواصلت الغرابة والغموض حيث وبعد ايام قليلة عن اعلان الكشف عن هذه «الشبكة» حيث أبرمت صفقة لتبادل «الجواسيس» بين موسكووواشنطن وقضت باعتراف «الجواسيس» العشرة أمام قاضي المحكمة الامريكية في مدينة نيويورك ببند واحد من لائحة الاتهام، وهو ما حدث يوم الخميس الماضي حيث أقر الموقوفون الروس بالتهمة «ليقرر» القاضي ابعادهم فورا عن الولاياتالمتحدة في طائرة انطلقت الى موسكو مباشرة. وفي المقابل أعلنت القلعة العسكرية الروسية «الكرملين» فور انطلاق الطائرة من نيويورك ان الرئيس الروسي دمتري مدفيديف وقّع قرارا بالعفو عن أربعة جواسيس عملوا لصالح المخابرات الأمريكية وجرى اعتقالهم في روسيا وحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة. بوتين والروس وتعددت الروايات والمواقف في قضية الجوسسة وقد زادت كلها من غموض المسألة، فقد خرج رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين ليعلن عن رفضه للرواية الامريكية، ويتهم واشنطن باعتقال أشخاص أبرياء من تهمة الجوسسة حيث قال للرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون الذي كان في زيارة الى موسكو «في بلادكم خرجت الشرطة عن السيطرة وزجت بأناس في السجن، آمل ألا تتضرر كل المكاسب الايجابية التي تحققت في علاقتنا جراء هذا الحدث الاخير». وبالموازاة مع موقف بوتين نجد الرئيس ديمتري ميدفيديف يتبنى الرواية الامريكية ويسلك طريق «الصفقة» او التسوية، وهو ما أظهر الادارة الروسية متناقضة بين موقين أولهما يقول ان أمريكا اعتقلت أناسا أبرياء ولا علاقة لهم بالتجسس وهنا كان من المفترض ان يطالبوا واشنطن بالاعتذار. أما الموقف الثاني يتبنى «الجواسيس» ويقر بالتهم ويسعى لتسوية الملف وهو ما حدث. وفي اتجاه اخر نجد ان المواطنين الروس لم يتخلفوا عن ابداء رأيهم في هذا الحدث. حيث أكدوا في استطلاع أجراه مركز «ليفادا» انهم مقتنعون بأن وكالة المخابرات الامريكية افتعلت فضيحة التجسس للإضرار بالعلاقات التي تشهد تحسنا بين العدوتين السابقتين زمن الحرب الباردة. ولم تسلم تحليلات المتتبعين لهذا الملف من سحب الغموض فقد رجح كثيرون ان فضيحة التجسس هي صفعة وجهتها ادارة الرئيس الامريكي للرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين لاضفاء شعبيته وتقليل حظوظه في الانتخابات الرئاسية القادمة. ويرى المحللون ان ادارة أوباما ومنذ توليها الحكم تصور ميدفيديف على أنه المسؤول الروسي الذي يمكن التعامل معه «بصدق ومودة» حتى ان أوباما خلال زيارته لروسيا كان محدودا في تعاطيه ولقاءاته مع بوتين. ويشعر أوباما بالقلق مما أسماه المحللون بعدم امتلاك ميدفيديف الجرأة لتحدي النخبة العسكرية المسيطرة على السياسة الروسية، لذلك يرون ان الادارة الامريكية اختارت هذا التوقيت بالذات للكشف عن الشبكة الروسية قصد توجيه ضربة الى أجهزة الاستخبارات التي يعتبر بوتين رأس حربتها وراعيها الاول. ولكن هذه التحاليل ظلت غامضة هي الاخرى ولم تقدم تفسيرا مقنعا، لأن الصفقة ضربت ميدفيديف لدى الروس وليس بوتين وقد سبق وذكرنا رأي غالبية الروس في العملية اي انهم مازالوا موالين لبوتين.