تواصلا مع تقاليده في تنظيم الندوات الفكرية التي كان سبّاقا لها نظّم مهرجان قابس الدولي بإدارة الأسعد بوخشينة نهاية الأسبوع الماضي ندوة دولية يومي 10و11جويلية شارك فيها عدد من المحاضرين من تونس والمغرب وسوريا وفرنسا . هذه الندوة كانت بعنوان «الشباب ومسارات المثاقفة» وقد توزّعت أشغالها على ثلاث جلسات علمية الأولى بعنوان «المثاقفة مفهوما»ترأّسها الدكتور مبروك المنتصر الرئيس السّابق لجامعة قابس وحاضر خلالها كل من الدّكتور محمد نجيب أبوطالب مدير المعهد العالي للعلوم الإنسانية الذي قدّم مداخلة بعنوان «أثر المثاقفة في تشكيل الوعي الحداثي» والدكتور منصف ونّاس أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس والدكتورة أنجال كريمر مارياتي من فرنسا وقدّمت مداخلة بعنوان «المثاقفة والتعدّد اللساني». الجلسة الثانية ترأسّها الأستاذ زهير مبارك الباحث الجامعي ومدير المركز الثقافي الجامعي بقابس وقدّمت خلالها ثلاث مداخلات، الأولى للدكتور عبدالعزيز العيّادي أستاذ التعليم العالي المتخصّص في الفلسفة بدار المعلمين العليا بتونس بعنوان «العولمة وفلسفة الفرق» والثانية «المثاقفة قيمة حضارية» للدكتور توفيق بن عامرأستاذ التعليم العالي المتخصّص في الحضارة العربية بكلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس والثالثة كانت مساهمة من الأستاذ الدكتور محمد العزيز ابن عاشور المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسوبعنوان «المثاقفة في مناهج التربية العربية ورهاناتها الحضارية» تليت بالنيابة عنه إذ تعذّر عليه الحضور. وفي الجلسة الثالثة قدّمت ثلاث مداخلات أيضا وقد ترأس الجلسة الأستاذ عزالدين ونيّس رئيس جمعية الفنون بقابس ومدير سابق للمهرجان وكانت المداخلة الأولى للدكتور سعيد علّوش من المغرب «الرواية التفاعلية» والدكتورة شهلاء العجيلي من سوريا «في الأمن الثقافي» والأستاذ زهير مبارك «المثاقفة العسراء في نماذج من الرواية العربية». رؤى ومفاهيم حول الحداثة هذه الندوة كانت مناسبة لإثارة قضايا جوهرية تهمّ الحياة العربية في علاقة بالتّطورات التكنولوجية التي يعرفها العالم ،الدكتور منصف ونّاس تعرّض في مداخلته الى مفهوم المثاقفة فقال أنّ العلاقات الحروبية هي شكل من أشكال المثاقفة بين الشعوب وهي مفهوم مركزي في حياة الأنسان والتاريخ البشري مبني على الغزو كما قال «بروديل». وأشار الدكتور ونّاس الى أن الإستعمار فعل شنيع يفكّك بنية المجتمع المحتلّ وقال أنّ الثورة التكنولوجية فرصة تتاح لكل الشّعوب لكي تساهم في المثاقفة وهذه الثورة تدحض ما قاله فوكوياما عن نهاية التاريخ وهذه التكنولوجيات تساعد الغرب على إعادة إنتاج الهيمنة وهي تقضي على الحميمية الأنسانية وقد دمّرت النظام القيمي والأخلاقي وهذا التفكّك الذي تشهده أوروبا في بنيتها الأسرية قال الدكتور ونّاس أنّه قد يؤدّي الى تلاشي أوروبا. وأضاف أن أوروبا خلقت أليات للتخفيف من التأثيرات السلبية مثلا للأنترنات ففي فرنسا كما في بريطانيا هناك أليات تساعد الشباب على التعامل مع الأنترنات لكن هذه الألية غير موجودة في مجتمعاتنا والسؤال الذي طرحه الدكتور ونّاس هو الى أي حدّ يمكن أن تتحمّل مجتماعتنا كلفة الأنترنات وأثارها النفسية والإجتماعية؟ مسؤولية الثقافة الدكتور توفيق بن عامر قال في مداخلته أنّه لا مبرّر لصرخة الفزع التي تثار ضدّ الأنترنات ووسائل الإتّصال الحديثة فعندما ظهر الكتاب أثيرت نفس الهواجس والإشكاليات حول تراجع الحميمية الأسرية والتواصل الشفوي وأثير نفس الهاجس مع التلفزة والسينما وأعتبر أن المطلوب الأن هو «تبيئة الأنترنات» يعني إدماجها في البيئة العربية وأشار الى أن الأستعمار هو عملية هيمنة قسرية هدفها إختراق العقل وأعتبر أنّ هناك عملية إغتيال للعقل العربي وإختراق للثقافة العربية من خلال ظاهرة التقليد وأعتبر أن الغرب يعرف جيّدا ردود الفعل العربية لأنّه درس المجتمعات العربية بشكل دقيق وبالتالي علينا أن نحصّن العقل بتربية الناشئة على قيم التنوير والحداثة والعقلانية. الدكتور عبد العزيز العيّادي قال في محاضرته أنّه لا قيمة لفكر لا يوجع أحدا على حدّ عبارة جيل دولوز وأعتبر أن مفهوم نهاية التاريخ هو حلم شخصي لفوكو ياما وأكدّ على أن الحضارات لا تتصارع لكنّها تلتقي في تفاهم أو في صراع. أسئلة هذه الندوة أثارت مجموعة من الأسئلة وقد شارك في النقاش عدد كبير من الأساتذة ومن المثقفين في جهة قابس وقد ذكّرت هذه الندوة الجمهور والمحاضرين سنوات تألّق مهرجان قابس الدولي عندما كانت ندواته الصيفية بمثابة الجامعة المفتوحة التي يقصدها الأساتذة والطلبة على حدّ السّواء وستصدر أشغال هذه الندوة في كتاب مع مطلع الخريف القادم.