مرّة أخرى تضرب الهيئة المديرة لمهرجان قرطاج موعدا مع سهرة تظل راسخة في مخيلة كل من عاش لحظاتها أمّنها الفنان الكوبي «راوول باز» الذي أطرب الحضور وأمتعهم بعرض ذي قيمة فنيّة راقية. قبيل العرض بحيز زمني وعكس الفنانين العرب عقد راوول باز لقاء صحفيا ولم يتعلل بالارتباك ولم يجعل لنفسه أنفة... راوول باز جلس وسط الاعلاميين بتواضع وأجاب عن الأسئلة ليبين أنه من أصل كوبي وعليه تعريف ثقافة بلده وايصالها الى أبعد نقطة من العالم وبالعكس يحاول ايصال الثقافات الاخرى الىبلده حتى يتم الانفتاح وردا على سؤال الشروق حول المحافظة عن الهويّة في زمن العولمة أجاب «راوول باز» أنه يجب خلق التوازن بين الانفتاح والتعرف الى الآخر دون الانصهار مع المحافظة على المفهوم الاثني... «راوول» أجاب بتلقائية حملها معه على الركح لايصال رسالته الفنية التي ضمّنها في ألبومه بعنوان «لاكاسا» بمعنى البيت باللغة اللاتينية وهي ايحاء بأن «كوبا» بلده وبيته رغم اغترابه عنها... وهجره لها في سن العاشرة... الحفل انطلق في حدود العاشرة ليلا بمعزوفة موسيقية لاتينية كانت ممزوجة بألحان غربية بعثت الرفاه في صفوف الحاضرين الذين فاق عددهم الالفي متفرج. جل الأغاني كانت باللغة اللاتينية تحمل اللكنة الكوبية وبالرغم من كونها غير مفهومة إلا أنها أمتعت الحضور فرقص الجميع «التانقو» و«السالسا» وغيرهما من الرقص اللاتيني. حرفية «راوول باز» شدّت الجمهور وبتواضعه جعلته يدخل قلوب الجميع فلعب دور المنشط وتحرك على الركح بلا هوادة فأطرب وأقنع ولما تأكد ان الجمهور تفاعل اتجه الى المدارج ليصافح المعجبين ويغني لهم عن قرب ولم يستعن بحراس شخصيين كما فعل بعض الفنانين العرب. وبين الاغنية والأخرى تحدث راوول باللغة الفرنسية للجمهور ليعبر عن حبّه لبلده كوبا فبعث الحنين في الحضور. وبتخطيط محكم ومحاولة لمعرفة تجاوب الجماهير لعرضه غادر راوول الركح في الساعة الحادية عشرة والنصف وسط هتاف الجماهير التي طالبت بالمزيد ليعود لاحقا والابتسامة ترافقه فقدم آخر المقطوعات الغنائية التي كانت ممزوجة بأنغام «التانڤو» و«الروك اندرول» فكانت رقصة البعض من الجماهير غربية لاتينية وسط تصفيق متواصل ومطالبة بمواصلة العرض الذي انتهى في حدود منتصف الليل. العرض كان في ظاهره امتاع وترفيه وفي باطنه رسالة من فنان حاول التعريف بتقاليد بلده الفنية يضاف اليها الاعتزاز بالهوية والانفتاح على الآخر ليؤكد راوول باز أن حوار الحضارات له أساليب عديدة بعيدا عن التقوقع وتهميش الآخر ولعل أبرز دليل عنوان ألبومه الآخر «البيت» الذي يوحي الى بلده «كوبا».