رغم التطورات العلمية التي تعرفها الإنسانية وتغيّر طبيعة الحياة الاجتماعية ومواكبة ركب الحضارة فإن بعض العادات والتقاليد صمدت في وجه التكنولوجيا الحديثة، وما زالت متجذرة بالوسط الريفي خاصة إذا ما تعلق الأمر بالطقوس والمقدسات الدينية... وتشهد قرى وأرياف معتمديات ولاية جندوبة في كل صيف إقامة حفلات تبرّكا بالأولياء الصالحين تعرف باسم «الزردة» وهي عبارة عن مجموعة طقوس وأفراح تقع يوم الخميس من كل عام مع إقامة الذبائح وتقديم الولائم بالإضافة إلى تنشيط الحركة التجارية وأهم ولي صالح بمعتمدية طبرقة يعرف باسم «سيدي ڤْويدر» أحاطت به أحداث غريبة يتداخل فيها الواقعي بالأسطوري... وما يعرف عن هذا الوليّ ورعه وتقواه وردّ فعله المباشر لأصحاب النوايا السيئة زمن وقوع الزردة أو خارجها والتي يتوافد عليها الاف الزوار من سكان المدن والأرياف حتى أن معظم الأفراح بالمناطق المجاورة له تقع بعد «الزردة» ويسهر على الجوانب التنظيمية رجل يعرف باسم «الوكيل» ينظّم المراحل المختلفة لأحداث الزردة مرورا بالإشهار الذي يتم في الأسواق الأسبوعية وبزيارة المنازل من خلال تكليف ثلاثة رجال يحملون أعلاما مختلفة الألوان تعرف ب«اللحاف».. وتدور وقائع الزردة على أنغام الطبل والمزمار ورقص الخيول وإضاءة الشموع ب«المزارة» وهي مكان محاط بالحجارة من كل جانب توضع به بعض المليمات قبل الوصول إلى زاوية الولي الصالح وجدت أحداث غريبة بهذا المكان نذكر منها ما يلي: سرق رجل غلالا ووضعها تحت إبطه وهمّ بالخروج من محيط هذا الولي فتجمدت يداه وأصبح أبكم فتدخل بعض الشيوخ والنسوة راجين من سيدي ڤويدر إخراجه من هذا الوضع على مرآى من الجميع وعاد إلى حالته الطبيعية. كان أحد الفلاحين يحمل تينا لبيعه في «الزردة» استوقفه بعض الشبان وهم على متن سيارة فأخذوا ما أرادوا دون أن يدفعوا ثمن التين ساخرين من هذا الفلاح وماهي إلا أمتار حتى انقلبت سيارتهم فنقلوا جميعا إلى المستشفى وتعرضت السيارة إلى أضرار بليغة. تعمّد أحدهم وضع أكياس من الفحم داخل زاوية الولي الصالح وواصل سيره على متن سيارته لقضاء بعض الشؤون وفي المساء اتجه نحو الزاوية لحمل هذه الأكياس ولمّا همّ بفتح الباب وجد ثعبانا كبير الحجم فاتجه مسرعا إلى التجمعات السكنية وهو يصرخ مذعورا من هول ما رأى فهب الجميع من الشيوخ داعين له ببركة هذا الولي الصالح إبعاد كل مكروه عنه فكان له ما أراد. أما أهمّ الأولياء الصالحين بعين دراهم «سيدي عبد الله» الذي يوجد بأحواز المعتمدية وحسب ما يُروى فإن هذا الولي يعرف بأعماله الصالحة لذلك تم بناء ضريح له، ويقصده الآلاف من الزوار استجابة لتحقيق رغباتهم الدنيوية ذلك أن امرأة لا تنجب أطفالا فقرّرت زيارة هذا المكان داعية هذا الولي الصالح أن يرزقها البنين وماهي إلا أشهر حتى حبلت ووفاء له قرّر زوجها صنع جمل يركبه رجل يلبس برنسا من الفخار وبيعه بسعر رمزي استجابة للمقولة الشهيرة «سيدي عبد الله بالجمال» ويزور هذا الولي جمع من التلاميذ الذين هم على أبواب امتحانات وطنية بالإضافة إلى العدد الهائل من الصبايا رغبة في الزواج. إلى جانب «زردة» سيدي صالح البلطي بمدينة بوسالم والتي تحولت ساحاته إلى مهرجان ونشير أيضا إلى تعدد الزوايا بالجهة و الأولياء الصالحين والتي تقع بها أحداث غربية. إذ يتم جمع الحطب وإشعاله ليلا ووضع المناجل والسيوف لتشتد احمرارا فيرقص بها بعض الشبان على أنغام الطبل والمزمار والبندير فيجرحون بها أجسادهم وتعرف هذه الرقصة ب«التهويل» وبعد انتهائها ترى أجساد الراقصين عادية وقد عادت إلى حالتها الطبيعية. هذه بعض الأحداث التي جدّت بزوايا الأولياء الصالحين والتي يتداخل فيها الأسطوري بالواقعي والخيال بالعقل، ومهما يكن من أمر فإن أهمية هذه الأحداث والحكايات الشعبية تكمن في تحرر فكر الإنسان ليخلق مختلف أشكال الأدب فالبشرية لم تعرف أقدم ولا أعرف من الأسطورة لتحكي أحلامها وآمالها وترسم دنياها المليئة بالتطلع إلى المعرفة ومن هنا كانت الأسطورة في البدء منبع الإلهام وفي النهاية دافعا إلى علوم حديثة وكثيرة كعلوم الانتربولوجيا والانتولوجيا والسيكولوجيا ومن المدهش أن يسمى الاهتمام بالسحر والعادات والتقاليد القبلية والطقوس الدينية علوما ولكن مخيّلة الإنسان ما كانت لتتمّ لولا هذه العلوم التي اعتبرت مفاتيح الوصول إلى كنوز النفس الإنسانية الثرية والغامضة معا.