تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر سفير مصري في العراق ل «الشروق»: صدّام كان صادقا في بناء عراق جديد يعتمد على الثروة البترولية والعلمية
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

القاهرة الشروق من مبعوثتنا الخاصة : فاطمة بن عبد الله الكرّاي
«رُبّ ضارة نافعة» هكذا كان قولي وأنا أعود من الأردن الى تونس عبر القاهرة... كان أمامي يومان أقضيهما في مصر قبل العودة الى تونس... وتزامن مع هذا المسار الذي تحكّم فيه خط سير الطيران، مشاهدتي لشخصيتين مصريتين مهمتين للملف الذي سافرت من أجله الى عمان : وضع العراق وفلسطين ما بين الاستعمارين الأمريكي والاسرائيلي... الشخصيتان المصريتان كانتا مهمتين لي لسببين أولهما أنهما على اتصال غير تقليدي بالعراق، ولهما معلومات قد تتراءى لنا شحيحة ان نحن طلبناها من غير المنخرطين في الموقع... وثانيهما ان كليهما ووفقا للموضوع الذي يخص كل ربط بشكل محكم بين مطامع الصهيونية وجموح الادارة الأمريكية الحالية نحو القوة وامتلاك الثروة والسلطة واحتكارهما عبر العالم...
الشخصيتان هما السفير أحمد الغمراوي آخر ديبلوماسي مصري ببغداد زمن الحصار والحرب والسيد محمد حمدي الايزمرلي شقيق العالم المصري العراقي محمد عبد المنعم الايزمرلي الذي قتل في سجن «أبو غريب» في ظروف غامضة جدا...
في هذا اليوم، وضمن ركن حديث الاحد يتحدث السفير أحمد الغمراوي الذي قبل اللقاء وكان يتهيأ للسفر كشاهد على مرحلة خطيرة ومهمة من تاريخ العراق... كان يأخذ المعلومة مخابراتية كانت أم سياسية أو حتى اقتصادية، ويحللها ويجد لها مشارب فكرية وبالتالي فهو قارئ جيد ومطّلع على كل الاصدارات والتصريحات والمواقف التي يمكن أن تنير الاحداث التي حفّت وتحف بالعراق والامة... هو ديبلوماسي من ذاك الجيل الذي عاش للفكرة... والذي يميل الى المقاومة بين الأمم في مستوى النهضة والتطور العلمي... كما يميل ذاك الجيل الى وضع سؤال الحيرة تجاه حال العرب والأمة، عندما يرى البرازيل تنهض ونحن لا ننهض ويرى ماليزيا تقف أمام العواصف ونحن لا تستقيم لنا قامة...
هذه الصفات لمستها في شخصية الرجل، فقد عمل مستشارا لدى سفارة القاهرة ب»الشيلي» زمن الرئيس «آلندي» وشهد طرق ومحاولات المخابرات المركزية الأمريكية اسقاط نظام الحكم في شيلي».
وبعد عاما أو أكثر يجد نفسه ممثلا لديبلوماسية بلاده بالعراق المحاصر والمقدم على احتلال رهيب... تحدّث كشاهد على مرحلة، وكباحث في الشؤون الاستراتيجية وكديبلوماسي يتألم لحال العلاقات الدولية التي يقول انها تتعرض الى هجمة احتكارية شرسة والى موجة عقابية صهيونية «ردا» (!) على «سبي بابل»...
السفير أحمد الغمراوي بيّن بالملموس، كيف أن العراق كان الهدف المزدوج للصهيونية والشركات البترولية الاحتكارية التي تقف وراء رموز الإدارة الأمريكية الحالية...
سألت السفير أحمد الغمراوي عن العراق وعن بغداد وعن السقوط والاحتلال...
*كيف عشت احتلال العراق... وحصار العراق... وما هي شهادتك عن بلاد الرافدين؟
عندما تذكر بغداد فإنها تُقرن بالرشيد فتنقل اليك صورة الحضارة العربية والاسلامية في لحظات... وترى «دجلة» و»الفرات» كأنهما نهرين من الجنّة... الا أنك سرعان ما تصطدم بالواقع : إن هذه الجنّة أصبحت محتلة، وأن أقدس مقدّسات العرب وأعز حضاراتها وأفضل فتراتها التاريخية وأكبر ثرواتها قد أصبحت تحت تصرّف الاحتكار العالمي والصهيونية العالمية. لذلك تضطرب في عينك الدمعة وأنت تشاهد التاريخ على أرض الواقع.
ضرب بغداد كان مخططا له سواء وجد صدّام أو لم يوجد، ذلك ان الصهيونية العالمية استطاعت الا ان تدخل الى نخاع الادارة الأمريكية واستطاعت مراكز الأبحاث الأمريكية التي تسيطر عليها 30 من اليهود أن تقنع الادارة الأمريكية ان مصلحتها في احتلال العراق. ولو راجعنا ما كتبه «ريتشارد بيرل» رئيس مجلس سياسات الدفاع الأمريكية قبل الاحتلال والكتاب الذي أصدره باعتباره كما يطلقون عليه «أمير الظلام» وهو صهيوني متعصب والصرخات التي كان يطلقها لإثارة الرأي العام الأمريكي والادارة الأمريكية لاحتلال بغداد والزمرة التي جندتها الصهيونية العالمية للتحالف مع احتكار البترول تلك التي خططت للغنيمة البترولية باحتلال العراق لتأكدنا ان كل السيناريو الذي تم باتهام العراق بوجود أسلحة دمار شامل أو اتهام صدّام بأنه كان على صلة بتنظيم القاعدة كلها حجج واهية رغم التأكد من كذبها ورغم اقتناع العالم بافترائها الا ان رئيس أركان الجيش الأمريكي أعلن (يوم 2 جويلية المنقضي) ان 150 ألف جندي أمريكي باقون في العراق لأن مصالح أمريكا تقتضي ذلك... واذا ما عرفنا ان أمريكا والصهيونية العالمية تخططان لكي تكون الولايات المتحدة الأمريكية سيدة العالم لمدة خمسين سنة واسرائيل سيدة الشرق الاوسط لنفس المدة لوجدنا ان موضوع العراق وأفغانستان ليسا الا حججا للسيطرة على بترول العالم وهو ما حدث فعلا في بترول «القوفاز» وذلك لحرمان الصين القوة البارزة من هذا النفط الاستراتيجي وحرمان أوروبا وروسيا من بترول العراق والخليج طبعا... وهذا من أجل ضمان امتياز لأمريكا يتمثل في احتكار قوة الطاقة لمدة الخمسين سنة المقبلة واحتكار السلطة معها.
من ضمن المخطط أيضا نجد السيطرة على الطاقة : والنفط هو ميزة نسبية في التجارة تجعل أوروبا تلهث وراءها... وعندما تكون هذه الثروة بيد قوة واحدة لنتخيل حال القوى الأخرى مثل أوروبا والصين، وكيف يحدد مصيرها ومستقبلها ومستوى نموها بالقوة المالكة.. ثم لا ننسى ان فرنسا كانت لها امتيازات والخلاف بين موسكو وفرنسا من جهة وأمريكا من جهة أخرى، ليس الا انعكاسا للخلاف على الطاقة الذي جد بعد ان منح صدّام حسين امتياز حقول «مجنون» لموسكو وامتيازات عالية لفرنسا من أجل بترول العراق وهو ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة الأمريكية، لهذا ستبقى القوات الأمريكية كحارس لمنابع بترول العراق ضد أي «أطماع» لأي دولة تجاه أمريكا ونفوذها.
*سعادة السفير، كيف ترى محاكمة صدّام في هذه الفترة وكيف تقيّم كديبلوماسي وخبير في السياسة والقانون الدولي تحويل الرئيس العراقي من وضعية رئيس أسير لدى الاحتلال الى متهم بين أيدي سلطة نصّبها الاحتلال ذاته؟
المحاكمة برأيي مسألة ثانوي تجاه المخطط الأكبر في العراق، فهي مسألة متعلقة بالانتخابات الأمريكية أكثر من تعلّقها بالقانون... هذه المحاكمة برأيي ليست الا حاجة في شكل فيلم من اخراج «هوليوودي» لاستهلاك ادارة بوش من أجل الدعاية للانتخابات. كذلك التوقيت الذي رافق اعلان ايقاف صدام حسين واعلان الادعاء بأنه على صلة بالقاعدة وانه يمتلك أسلحة دمار شامل... وكذلك مسرحية ساحة الفردوس من اخراج التمثال واسقاطه.. كلها ديكورات لاستغلال الانتخابات وتجييرها لصالح ادارة بوش.
*كنت في بغداد حتى آخر لحظة.. وشهدت جزءا كبيرا من السيناريو.. سيناريو الاعتداء على العراق. بماذا شعرت وبغداد تتهاوى وتسقط بين أيدي العسكر الأمريكان، عسكري الاحتلال المباشر؟
كمواطن عربي سقوط بغداد مثّل لي سقوط الفكر العربي في امتحان استمرارية المقاومة. هذا بالاضافة الى أنني لم أكن أتصور ان الموضوع يتعلق بصدام او بموضوع الدكتاتورية لأن عديد الديكتاتوريين عبر العالم وتحديدا في افريقيا حيث لا ثروات ولا برامج علمية تقدمية يترك «الدكتاتور» في السلطة ولا تدخّل ولا هم يحزنون... صدّام كان له مشروع مضاد لنوايا واستراتيجية أمريكا واسرائيل في المنطقة. العراق أمره مختلف... فهو يعوم على بحيرة بترول وبه 12 من احتياطي العالمي.
*لكن لسائل ان يسأل هنا، لماذا العراق بالذات يضرب بهذه الطريقة الشرسة والتي فيها عدوانية تتجاوز المطامع الاقتصادية؟
يجب ان نتذكّر دائما وحتى الذين يرفضون «لغاية في نفس يعقوب» هذه القصة عليهم ان يعوها اذن علينا ان نتذكر ان الصهيونية العالمية تعتبر السبي البابلي هو أظلم نقطة في تاريخها...
هنا تذكرت والسفير يسرد هذه الحقيقة، كيف خرجت علينا احدى المجلات الأمريكية وتبعتها في ذلك احدى وسائل الاعلام المكتوبة الفرنسية في بداية أزمة الخليج 1990 وعنوانها يقول فوق صورة صدّام : هذا نبوخذ نصر الجديد! وكنا وقتها قلة قليلة جدا من العرب من يعرف من هو نبوخذ نصر... وتاريخ السبي البابلي... يواصل محدثي الذي جمع بين القراءة الحضارة والقراءة السياسية الاستراتيجية ليقول : اذن تعتبر الصهيونية تلك الفترة التاريخية من أسوإ ما عرفته وأنه آن وقت القصاص من بابل، وقد استطاعت الصهيونية توريط الادارة الأمريكية الحالية والمكوّنة عناصرها من مشرفين ومالكين وخبراء في شركات النفط العالمية.. فأعضاء في الادارة الأمريكية الحالية يشرفون أو هم كانوا يشرفون على استثمارات تغطية تصل الى بلايين الملايين... لقد استطاعت الصهيونية العالمية التي تعرف وتقدر وتعي أطماع الشركات البترولية ان تجرّها الى مستنقع العراق من رقبتها بحبل اسمه حبل الطمع... لذلك كان الموساد أسبق الى دخول المتاحف من الأمريكان أنفسهم... لكأنهم (الصهاينة) قالوا للأمريكان احرسوا أنتم وزارة النفط واتركوا لنا الباقي... هكذا كانت المشاهد المؤلمة التي طالعتنا ابتداء من التاسع من أفريل 2003. لقد سرقوا كل ما يتعلق بالتاريخ اليهودي في العراق وكل صور الاذلال للسبي البابلي... لذلك أيضا سارعت الصهيونية العالمية الى توثيق علاقاتها مع بعض رموز الأكراد وشراء أراض بين تركا والعراق... وكذلك شراء المراكز الحسّاسة داخل بغداد وذلك ضمن مخطط للثأر من بابل القديمة وبابل الجديدة التي عمل نظام صدام على احيائها بقوة في معارضة منه لأخطبوط الصهيونية الذي أكل فلسطين ويريد مواصلة مخططه من النيل الى الفرات... هم (الصهاينة) يريدون تحقيق «حلم» «من النيل الى الفورات» لكن بأيدي الأمريكان وبجنود أمريكان ولا مانع لديهم ان يسيل دم الأمريكان فداء لتحقيق المشروع وكتضحية من اجل الصهيونية العالمية.
*ونحن في الوطن العربي لنا من تُعساء الفكر من يقولون ان ما حدث في العراق انما النية منه تهجير الفلسطينيين من فلسطين ووتوطينهم في العراق!
يبتسم السفير الغمراوي موحيا انه على اطلاع على مثل هذه الأفكار التي نعتها قبل الرد على السؤال بأنها أفكار أقل من التعاسة بدرجة وأن الأمة مسكينة لأنها تفتقر الى قادة رأي ومفكّرين مخلصين لها وحدها ثم تابع القول :
ابحثي عن الاقتصاد والمصلحة تجدين التفسير السياسي الفعلي لما هو واقع في العراق... وابحثي عن التوازن الحضاري والنهضة الحضارية وستجدين مفتاحا آخر من مفاتيح الأزمة الحالية.
أولا القاعدة العلمية : إن أحد «أخطاء» صدّام حسين بمنظور الغرب، وهو انه حاول اقامة قاعدة علمية في العراق، وهو ما يتعارض مع مخطط المخابرات المركزية الأمريكية ومخطط الصهيونية العالمية. لقد استطاع صدام ان تكون معه الطاقة ويريد أن يصل الى التكنولوجيا... وهذا ممنوع في عرف النظام الدولي الحالي وفي ناموس المشرفين على الشرق الاوسط الجديد...
ثانيا : لقد أصدر صدام قانونا يعطي مزايا للعلماء العرب المهاجرين للعمل في العراق بنفس مرتباتهم في أوروبا وأمريكا بالاضافة الى مزايا عينية كبيرة بما مكّن العراق من تجمّع علمي عربي ضخم، ومنهم عدد من العلماء العرب في مجال الذرّة وعلى رأسهم د. يحيى المشدّ الذي استطاع مع زملائه العرب والعراقيين وبالتعاون مع فرنسا اقامة المفاعل الذرّي العراقي تموز. والدكتور المشد معروفة قصته وحادث اغتياله من «الموساد». هذا الامر اثار حفيظة المخابرات الأمريكية والموساد فتم ضرب المفاعل في وضح النهار والعالم المشد كذلك... غير ان القاعدة العلمية بالعراق استمرت بعد ضرب «تموز» (المفاعل) لذلك عندما دخلت قوات الاحتلال العراق كان أول ما مطلوب هو اعتقال العلماء العرب والعراقيين وعددهم 210 عالما. وقد تم القبض عليهم بحجة التحقيق معهم في أسلحة الدمار الشامل. ولكن «الدمار الشامل» كان المقصود به تدميرهم شخصيا، دمارا شاملا لإنهاء القاعدة العلمية في العراق. وقد تم التلخص من بعضهم ومنهم الدكتور الايزمرلي العالم المصري في الصواريخ بقتله بمعرفة «الموساد» في سجن أبو غريب منذ أشهر (وللشروق لقاء مع شقيق العالم المصري د. الايزمرلي تطالعونه لاحقا)... وكثيرون غير «الايزمرلي» ممن ليست لدينا معلومات عنهم للتعتيم الكامل على أخبار العلماء في العراق...
*كيف تابعت محاكمة صدّام وبقية القيادة العراقية وأنت تعرفهم جيدا... كيف تقيّم المسألة؟
تابعت المحاكمة كما الجميع، لكن أرجع وأقول انها مسرحية بإخراج «هوليوودي» لاستعمالها في الوقت المناسب ولأغراض مناسبة لإدارة بوش في الانتخابات القادمة. لكن رأيي الشخصي والقانوني ان محاكمة صدّام لا تكون صحيحة في ظل وجود الاحتلال. ومن حق الشعب العراقي الحر ان يحاكم حكّامه لكن عندما تتحرر ارادته وأرضه وقبل ذلك ستكون المحاكمة بيد غير العراقيين والقرار لغير العراقيين...
* الأمريكان يتحدّثون هم وعملاؤهم ومن يتبع سياستهم تجاه العراق عن استفتاءات تُنسب الى الشعب العراقي انه هو الذي أراد ما يحصل الآن. أتصدّق هذا سعادة السفير؟
الاستفتاءات هي عملية توجيه أصلا... أما الاستفتاءات التي تتوالى حول موضوع صدّام تجيز ما يتعرض له فالمقصود به اظهار انتصار بوش رغم ان صدام انتهى بالقبض عليه وأسره ولا حاجة الى تكرار الاسطوانة المشروخة : صدام كذا... (من جملة النعوت اياها التي تعرفين...) الا اذا كان المقصود بها آذان أصحاب الاصوات في الانتخابات الأمريكية. والاعلام هنا هو «عصا موسى».. هو السحر في عصرنا الحالي.. وقد استطاعت الصهيونية العالمية ان تمسك بهذه العصا حتى داخل أمريكا نفسها... تمسكها لمصلحتها وتلهب كيان الأمريكان بعداءات ليس لها صلة بالواقع... فلا المسلمون يكرهون أمريكا بدليل وجود ملايين المسلمين هناك ولا العرب يكرهون أمريكا ولا يوجد اي صدام حضاري ولا تماس جغرافي حضاري بيننا وبين أمريكا... كلها أمور مركّبة ومفبركة... صدام الحضارات ادعاه «هنتغتون» وهو مخطط عار من الصحة ومعروف هنتغتون من هو وما هي أصوله الفكرية والاثنية.. كل ما في الامر انه يوجد حقد لدى اليهود على غير اليهود (المتصهينين) بما في ذلك الأمريكان أنفسهم... صلبهم المسيح واستمرارهم «صلب» الانبياء وصلبهم الأخير لفلسطين وفي نفس الوقت صلبهم لكل حرية غيرهم في انتقادهم وهو ما يسمى ب»اللاسامية»... هم يصلبون حرية الآخرين في انتقادهم.
ويمكنك ان تهاجمي الله والرسل ولا يمكنك ان تشككي في المحارق مثلا.. هذا عُرفهم.. وهو ما اتبع ضد المفكرين الاوروبيين والفرنسيين بالذات بارهابهم والضغط كل من يحاول انتقاد اسرائيل الحالية المتعصبة والمتطرفة بادعاء أنه ضد السامية وأخشى أن يحاكموا «شكسبير» عن قصته «تاجر البندقية» لإظهاره اليهود في صورة المرابي المتعصب والمتشدد والجشع. ومثال غارودي وجيبسون ماثلان الآن.
* قضيت ثلاث سنوات بالعراق.. هل تحدثنا عن صدام الذي عرفته.. وسمعت عنه.. وعملت ديبلوماسيا مع طاقمه الديبلوماسي السياسي؟
أولا أحكي احدى النوادر عندما كان طالبا في مصر وسكن حي الدقي هنا، وأصيب ب»الالفنونزا» وعندما أصيب بها لازم الفراش، وكلّف بوّاب العمارة التي كان ساكنا فيها بأن يشترى أدوية وليمونا واشترى البواب ذلك ورفض ان يأخذ ثمنها فلم ينسها صدّام. وعندما أصبح رئيسا للجمهورية كلّف سنة 1980 السفير العراقي بمصر انذاك (عبد الجبّار) بالذهاب الى المنزل الذي كان يسكنه وتوجيه دعوة الى «البوّاب» لزيارة العراق لأنه لم ينس جميله. وحي لي عبد الجبار بأنه ذهب للبوّّاب وهو رجل بسيط وفقير وأبلغه أن صدام حسين يدعوه لزيارة العراق فتذكر البواب «صدّام» وسأل عنه السفير قائلا : «ازّاي صدام أفندي... هو لقى شغل!» فرد عليه السفير العراقي قائلا ان صدّام أصبح رئيسا لجمهورية العراق وأنه يدعوه لزيارة العراق. فرد البواب وهو لم يدرك معنى ان أصبح ذاك الشاب المطارد رئيسا : سلّم لي على صدّام أفندي وقل له ان الله فتحها في وجهي... وان العمارة التي كان يعرفها من عشرين سنة بها 8 شقق فقط أضحت اليوم تحتوي على 16 شقة واني «آخذ الشيء وشويات... عايزني أسيب دا وأروح للعراق؟».
كان السفير احمد الغمراوي يحكي القصة النكتة وهو مغرق في الضحك دون ان يفقد مسحة حزن ممزوجة باعتراف أو بإكبار قائلا : «هذا هو صدام حسين في وفائه للبسطاء، هذا هو صدام الذي أرادت المخابرات الأمريكية تصفيته خوفا من ان يكون مصدرا لمعارضة نفوذها في المنطقة فادعت عليه وجود أسلحة دمار شامل... بعد ان نالت كل ما تريد من المنطقة، هذه هي لعبة السياسة... بالامس القريب كان ايجابيا في عيونها لما كانت الحرب العراقية الايرانية مشتعلة... لقد حاول صدّام ان يلعب لعبة السياسة ضد القوى الكبرى لكنها سبقت بالتصفية تماما كما فعلت مع «عبد الناصر» و»سوكارنو» و»نيكروما» و»سيكوتوري»...
*كيف تقيّم عملية الحصار المطبق على العراق، هل هو جزء من الخطة... خطة الغزو والاطاحة بالنظام في بغداد؟
العشر سنوات حصارا كانت تهيئة للاحتلال، اذلال الشعب ووضعه في ضيق اقتصادي حتى يصبح ضد صدام.
هذا حدث في الشيلي. «ألاندي سلفادور» وضعوا الشيلي تحت الحصار الشديد.. وكانت موسكو تبعث لهم القمح وكوبا تبعث السكر، وكانت المخابرات الأمريكية تشتري السكر والقمح وترميه في البحر حتى يجوع الشعب ويثور الى ان تم الانقلاب 11 سبتمبر 1973 كنت مستشار السفارة المصرية في الشيلي وقتها ورأيت كيف كانت المخابرات الأمريكية تجوّع الشعب الشيلي قبل ان يتم الانقلاب حتى تبقى هناك لإشعال موجة الكراهية ضد «سلفادور ألاندي» المهم والغريب في الموضوع ان كيسنجر (الثعلب العجوز) هو الذي خطط لحرب العراق وايران وهو الذي خطط لإسقاط ألندي، هو خطط في العراق وخطط في الشيلي وهدفه كان ما يحدث الآن... والاغرب من ذلك هو الذي خطط لأفغانستان وقال انه لا يُضرب الاتحاد السوفياتي الا في البطن الضعيف وهي الجمهوريات الاسلامية وباسم «العقيدة المسمم» وهي الموجة التي أخرجت للوجود الجهاد الاسلامي المقدّس لتحرير «كابول» وكان أولى بأولئك المسلمين ان يحرروا القدس... التي تنوء تحت الصهاينة.. المفكرون في مراكز الأبحاث خططوا وأقنع كيسنجر العرب وموّلها العرب تلك الحرب في أفغانستان وحاربوا ضد الاتحاد السوفياتي المعروف بمواقفه في قضايانا.. حرب يخوضها الامريكان بالجنود المسلمين ضد الاتحاد السوفياتي، وعندما انتهت الحرب وأسقط الافغان موسكو وضحى المسلمون بمليون شهيد و6 مليون لاجئ أفغاني كان خبراء المسلمين أولا : الانقلاب على المجاهدين واعتبارهم مخرّبين ومن ناحية أخرى الصهيونية العالمية قبضت الثمن مليون يهودي الى اسرائيل، ناهيك ان المنظمات العالمية (حقوق الانسان) كانت المحرك الأساسي للحملة على الاتحاد السوفياتي ناقدة حد التدمير، موسكو، لكونها تمنع الهجرة الى اسرائيل!
وتم تسليم الثمن بمجرد هجرة مليون يهودي (من الكفاءات العلمية خاصة) الى اسرائيل حيث تزعم «البنك الدولي» هذه المساومة تجاه موسكو...
*أسألك الآن كمفكر عربي وكاتب كيف ترى مستقبل الامة؟
«التاريخ دول» وسبحانه وتعالى يقول : {وتلك الأيام نداولها بين الناس} (صدق الله العظيم)، ولذلك في تقديري الشخصي ان الامة العربية مؤهلة لشيء كبير ولا يتعلم الناس الا من الفشل. لا نتعلم النجاح الا من الفشل. ونحن في الدورة التي نذوق فيها الفشل من أجل أن تنفتح عيننا على أسباب النجاح. ومن حسن حظنا ان عدونا هو عدو يثير لدى العرب النخوة، ومحاولة احياء عناصر القوة ولذلك أنا متفائل ان الجيل المقبل من العرب لديه بالعلم والتكنولوجيا والايمان فرصة العودة والوقوف على قوائم من العلم والايمان بأن هذه الامة لم تخلق لكي تُسبى ولم توجد لكي تموت... وهذا ما يعرفه أعداؤها تمام المعرفة... لذلك أرى ان أهم شيء هو تربية أبنائنا وتعليم أولادنا بدون حقد وليكن لأعدائنا الحقد وليكن لنا الايمان والعلم والقدوة الحسنة...
ولنستغل هذه الدعوة للاصلاح العربي بأن يكون اصلاحا فعليا وليس مظهريا يضم قواعد صلبة لأبنائنا للانطلاق بالعلم والايمان والتقدم خاصة وأنهم مؤهلون بطبيعتهم وبجيناتهم للتفوق وهذا ما أثبته العرب في أوروبا وفي أمريكا وسيثبتونه على أرضهم... لم يعد لنا ما نقدّم وما نتنازل عنه... الآن ننتظر العودة يحققها أبناؤها على طريقة أمجادنا.
وكما تعلّم اليهود من الألمان سيتعلم الفلسطينيون من اليهود...
لقد خلق صدام قاعدة تنمية فظيعة وكانت تخيف الاعداء وخاصة ان المشروع كان مرفقا بالقومية العربية وهذا هو المزعج للدوائر الامبريالية والصهيونية العالمية... المهم ان نتعلم الدرس.. لا ضير في ان يخسر العراق او يفشل مشروع صدام النهضوي، المهم ان نوجه النصيحة لأبنائنا بالعلم ونوصيهم بالعلم وحده... ولنتعلم من أخطائنا والا لن يكون النجاح حليفنا أبدا...
وهنا أضاف السفير احمد الغمراوي قائلا : لعلمك سيدتي ان نظام صدام هو النظام العربي الوحيد الذي استثمر أموال البترول في العراق فقط حيث وصل النمو في العراق بين سنة 80 85 الى أعلى معدل نمو في العالم 15 وهذا أزعج الصهيونية العالمية وأمريكا...
أما الجيش الامريكي فأراه الآن رهينة بيد الصهيونية التي أغرته اسرائيل حتى يدخل مستنقع العراق... آن الأوان لأمريكا ان تعيد النظر في العلاقة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.