معان غزيرة وذات دلالات عميقة وردت في خطاب رئيس الدولة أمس بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثالثة والخمسين لإعلان الجمهورية، هذه الذكرى العزيزة على كلّ التونسيين والتونسيات لما جسّدته من إرادة في بناء الذات باستقلالية وعزم وفي إطار حداثي يحترم حق الاختلاف والتعدّد ويحمي حقوق الإنسان والحريات الأساسية ويدعم أركان دولة القانون والمؤسّسات، إطار غير متكلّس وغير جامد قابل للتجدّد في كلّ مرحلة ووفق تغيّرات الواقع ومستجدات الحياة. فالجمهورية هي هكذا في فكر الرئيس بن علي بمثابة الكائن الحي القادر على النمو والتطوّر والانتقال من مرحلة إلى أخرى بشكل سلس وهادئ وبمنهجية رصينة ترفض المغامرة وبعيدا عن الظروف الضاغطة والتجارب المسقطة كما ورد ذلك في حديث رئيس الدولة نهار أمس. وفي الخطاب أشياء كثيرة من هذا النموّ الهادئ والرصين وهذه القدرة على التجدّد والاستمرارية والتطوّر الإيجابي، أوّلها التأكيد على دور الفئة الشبابية التي منحتها الإرادة الرئاسية فضاء جديدا للتعبير عمّا يُخالجها من مشاغل وتطلعات وأكثر من ذلك أن تُسهم في صناعة القرارات الوطنية عبر برلمان الشباب، هذا البرلمان الذي يكتنز بعد نظر للمستقبل وضرورة إعداد العدّة له بما يقتضيه من طاقات شبابية واعدة وذات تجربة ومتشبّعة بالحوار والإيمان بالآخر وبالفكر التعددي والممارسة الديمقراطية الحديثة قادرة على تحقيق ذلك النمو المأمول وتلك الاستمرارية والمناعة المنشودتين. كما أنّ هذه الجمهورية، وبحسب رؤية الرئيس بن علي، في منطلقاتها وأسسها ومبادئها ومنافعها وكذلك في واجب صيانة مكتسباتها ودفعها إلى مزيد التطوّر والتقدّم ليست حكرا على جهة دون أخرى ولو كانت هذه الجهة الدولة بأجهزتها ورموزها، إنّما هي لكلّ التونسيين والتونسيات، لهم جميعا حق الانتفاع بمزاياها وواجب عليهم جميعا حمايتها وصيانتها من كلّ ما قد يتهدّدها ويمسّ كيانها وقدرتها على مواصلة النموّ والتقدّم والمناعة. نعم، الجمهورية في تونس متجدّدة وهي تتطوّر من مرحلة إلى أخرى، ونظرة بسيطة لواقع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية كفيلة بإعطاء الدليل القاطع على عُمق ما تمّ تحقيقه على درب تكريس وتجسيد مبادئ وأسس النظام الجمهوري وأوّلها احترام إرادة الشعب عبر التوسيع الدائم لمجالات المشاركة في الشأن العام في اتجاه كل فئات المجتمع وشرائحه وأحزابه ونخبه وكذلك صوب مزيد النهوض بواقع الحريات الأساسيّة وحقوق الإنسان. وفي أعقاب هذا الخطاب المنهجي والدقيق والذي تضمّن تعهّدا رئاسيا بمواصلة صيانة النظام الجمهوري وتكريس إرادة الشعب وخدمة تونس والرفع من شأنها، والتي قال عنها السيّد الرئيس إنّها مهمّات ترتقي إلى مستوى الواجب المقدس الذي سيواصل سيادته الاضطلاع به بكل إخلاص واعتزاز، في أعقاب كلّ ذلك تنفتحُ آمال جديدة ومتجدّدة أمام كلّ التونسيين من أجل المزيد من التطلعات والانتظارات، هذه التطلعات والانتظارات التي هي الأخرى لا تعرفُ السكينة وتتحرّك باستمرار نحو تحقيق المزيد من المكاسب.