«البراني على برّة» مسرحية نص وإخراج معز التومي وبطولة الكوميدي المتألق المتميز والجريء رياض النهدي. «سنقرة» هي الشخصية الرئيسية التي يجسدها رياض وكم كانت صادقة ومفعمة بالإحساس والشعور الجميل والنبيل وكم كانت عميقة لطرحها تخاطب العقل والروح والوجدان هي صوت الهوية التونسية الضائعة والعربية المفقودة. كانت شخصية راصدة مترصدة متمعنة متشبعة بالمعاني وبالألغاز وبمواطن خور المجتمع المصغّر في تلك العمارة الصغيرة التي تحمل الكثير والكثير من شواغل الناس. لقد نقد رياض بأسلوب متميز العنصرية الجهوية وإقصاء الآخر والتفاخر والرياء وتغير منظومة المجتمع وامتلاء واقعنا بأمراض نفسية خطيرة تهدد كل ما تبقى فينا من عادات وتقاليد وقيم حميدة. لم تكن شخصية «سنقرة» مجرد وجه عابر يمر دون أثر بل هي عمق في الصميم من أعماق حاضر نعيشه هو المرآة والذات هي الانكسارات والحيرة عندما يتغير الناس ويصبح ا لجار عدو جاره ويصبح الأنا مغتربا مع الآخر. رياض النهدي ارتقى إلى مرحلة كبرى من النضج الفني تؤهله لكي يكون الأفضل على الساحة وهذا ال«وان مان شو» حسب رؤيتنا هو الأفضل من كل الأعمال الأخرى إنه كان الوحيد الجامع بين الضحكة والابتسامة والرقي والفكر والمسرح في شكله ومضمونه وهذه المراوحة شدّت الجمهور الذي حضر بأعداد غفيرة في بوقرنين والمنستير فآلاف الناس شاهدة على نجاح صنعته وحبكة الشخصية وصدقها ودورها الكبير في تحقيق المنشود المسرحي الذي نأمله. «البراني على برّة» احتشد لها الجمهور تصفيقا وإعجابا كانت متميزة على التجارب الأخرى، متميزة على «مادام كنزة» التي سقطت في فخ تقليد اللهجة الصفاقسية ولم تكن كنزة عميقة لأنها تهكمت على جهات دون جهات ولم تعط للمسرحية بعدا وطنيا. أما العبدلي في «مايد اين تونيزيا» فقد سقط في خطاب وقح يتحدث عن مواضيع لا يسمح لها بالمرور أمام العائلات وتجاوز الحدود رغم بعض الاجتهاد على مستوى النص دون أن نتحدث عن الفشل الذريع لمسرحيات سعاد بن سليمان ونصر الدين بن مختار وريم الزريبي والذين ابتعدوا جميعا عن فحوى الموضوع، فأما سعاد وريم فقد حشرتا قضية المرأة في جانب معين وهو المنزل والطبخ وغفلتا أن المرأة اليوم صارت رمز الفكر والإبداع فهي الطبيبة والمحامية والأستاذة وأما نصر الدين بن مختار فقد سقط في التهريج والتجريح والابتذال. بينما عانقت «البراني على برّة» الإبداع لأنها مسّت شواغل المواطن التونسي والعربي بكل عمق وتعمق وسط نزيف الجراح. هذا هو المسرح المطلوب كفانا سخافات وتهريج، المسرحية فضح للواقع وارتقاء إلى أعلى مراتب الفن المعاصر الممتاز والمليء بالكوميديا مع أسلوب لا يخلو من طرافة تجعل من يشاهد المسرحية يؤمن بقيمة ممثلها.