حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي حول جلّ التعليقات والمساهمات التي نشرت على أعمدة هذا الرّكن، افتقد «سي أحمد» بن صالح تساؤلا هاما، لم يهتد إليه جلّ الباحثين والمعتنين بالمرحلة التي عرفت فيها تونس مرحلة التعاضد.. التساؤل يقول: ما الذي وقع حقيقة، فترة التعاضد في تونس؟ ثم يردف بالقول متسائلا: من راجع الأمور وقتها وتساءل: ما الذي حصل فعلا، ولماذا وقع اختيار صيغة التعاضد في تونس؟ ويضيف: «كما أنه ليس هناك من تحدّث عن مصير الأراضي الفلاحية، ما بعد التعاضد. فتونس، كانت منذ زمن بعيد، تعاني من معضلة تشتّت الملكية.. وجاءت، بعد الاستقلال ما أنعته ب: «مصيبة استرجاع الأراضي التي كانت بحوزة المستعمرين».. وهنا أعاد التأكيد على أن ما وقع في ربيع 1970 (المحاكمة)، لم تكن له علاقة لا بالسياسة ولا بالاقتصاد.. فهناك يقول «سي أحمد» بن صالح.. عدم رضا على النجاح الذي حققته وتحقّقه تونس من المتفرنسين.. فهم يخافون من أن يصل الناجحون (في ما يخصّ التجربة التونسية في الستينات) إلى الحكم.. ثم هل تساءل المتابعون والمهتمون بما وقع سنة 1970، لماذا وقع الانقلاب في الموقف بين عشية وضحاها. فبعد أن كان التعاضد معجزة لتونس، أصبح ذاك الخيار هو أساس «المحاكمة».. ثم لماذا لا يتساءل المتسائلون، عن سرّ انقلاب الصحافة بين عشية وضحاها، من ممجّدة و«مطبّلة» للتعاضد إلى مندّدة بالتجربة؟ لقد تبين أن هناك من كان «يدّعي في العلم فلسفة».. قلت ل«سي أحمد» ماذا تقصد بالمثل الأخير الذي أوردته فقال: الأمر التّعيس الذي لم يفهموه (من كانوا وراء ما حدث لبن صالح) وقد فهمه «جيسكار ديستان» هو أن الفرنسيين والمتفرنسين هم الذين نجحوا.. فقد عملوا على تحطيم هذه الشعلة في شمال افريقيا.. تونس الفقيرة (من الموارد الطبيعية) تجتمع فيها 15 دولة تدعم عبر التعاون سياسة تونس وتعبّر عن اعتزازها بنجاحها».. وهنا كشف من جديد بالقول إن «سوفانيارغ» (سفير فرنسابتونس وقتها) وصديق الدراسة لفاليري جيسكار ديستان، هو الذي ترأس المسألة».. وأضاف: «المشكل أن جيسكار ديستان «رجع للصواب» وقد بعث لي كما ذكرت سابقا عبر هذه الحلقات «بول فابرا» كاتب صحفي في المجال الاقتصادي، يكتب في جريدة «لوموند».. كما وصلتني اشارة عن «ديستان» وكم هو معجب ببن صالح،ويقصد سياسة بن صالح.. وهنا أذكّر كيف بعث ديستان برسالة إلى بورقيبة.. ولكن في تونس لم يستفق أحد.. لأن جلّهم غلبت عليهم النخبوية الفرنسية.. هؤلاء المتفرنسون أكثر من اللزوم.. لا يقدّمون حكما أو نظرة حول أي موضوع يهمّ بلادهم تونس، إلا متى صدر الموقف منها في فرنسا وعبر الصحافة الفرنسية. كان «سي أحمد» بن صالح يشير إلى تقرير «سوفانيارغ» حول التجربة التعاضدية، والتي ادّعى فيها أن تونس على أبواب كارثة بفعل السياسة التعاضدية، وأضاف «أما أنا فقد حماني اللّه أنني عرفت تجارب أخرى.. وجنسيات أخرى.. وثقافات وسياسات أخرى».. ألم يكن هناك من قال كلمة حق..؟ عن هذا السؤال يقول «سي أحمد»: «الهادي نويرة وحده من فهم اللعبة.. فهو لم يقل كلمة سوء على الأقل» وأضاف: «كثيرا ما أتساءل: إذا كان هؤلاء المتابعون يريدون معرفة الحقيقة خالصة، لماذا لا يطّلعون على تقرير البنك المركزي التونسي، إذ أن آخر تقرير ليوم 30 جوان 1968و لم يكن فيه ولا كلمة واحدة عن خلل أو أزمة.. وهو نفس التقرير الذي يعتمده البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكذلك البلدان المتعاونة مع تونس.. باعتقادي فإن المطلوب، أن نفكّر ونتروّى.. فإذا كان المهندسون المعنيون، قد أجبروهم على الصّمت فإن الباحثين عن الحقيقة، هم أكثر حرية من غيرهم، في مجال البحث والتمحيص». وبخصوص موضوع الخلافة، والندية بينه وبين بورقيبة يقول «صاحب المذكرات»: المسألة ليست ندية بيني وبين بورقيبة.. والندية ليست مبارزة بيني وبين بورقيبة، أو المسألة تكمن في أن أكون مثله أو خليفته، ففي هذا المنحى، أعتقد أن هناك اتجاها أو سعيا لاعطاء قيمة للمظهر على حساب الجوهر.. المسألة تهمّ باعتقادي الجوهر فقط.. والجوهر هو الذي يكشف ويدلّل على صدقية التوجه والتفكير في كل ما سعينا إليه من أجل تونس.. بالنسبة لي، التخطيط هو الأساس.. وهذا التخطيط نفسه وقع حوله نزاع.. وقد كان سي عبد العزيز الزنايدي حاضرا في جزء منه.. كان شاهدا على مسألة القصور (بناء القصور الرئاسية) وقد وضعت سؤالا وقتها: هل أصبحت الأولوية لبناء القصور (الرئاسية) ونحن في أوج مجال التنمية؟ الذي يهمّ بطانة بورقيبة (الذين حوله ويقصد القصر بالتأكيد) هو المال والوجاهة.. وربما إرضاء فرنسا.. كذلك «أكثر من هذا يضيف بن صالح لم تقع دراسة علمية بحثية واحدة، تتناول التعاضد الفلاحي، كما خطّط له أن يكون وكما طبّق على الميدان.. هل تعرفين ماذا وقع معي، في الجزائر وبعد أن خرجت من السجن، أي خلال المدة الأولى من وجودي بالجزائر؟ كنت قد خرجت يوما إلى السّوق وكان يرافقني الأمن طبعا، وإذا بأحد يرتمي عليّ، فيوقفه الأمن، وقال لي: أنا تونسي، ومهندس، أريد أن أحيّيك.. وكشف لي هويته: كان مهندسا فلاحيا في تونس، كلّفته بجهة سيدي بوزيد لينفّذ ما كان يسمّى «بالثورة الخضراء» أي القمح الجديد الذي ينتج 70 قنطارا في الهكتار الواحد، فسألته: ماذا تفعل هنا؟ فقال: لم يعد لنا عمل في تونس، نحن 20 مهندسا فلاحيا أحلنا على البطالة فطلبتنا منظمة الأممالمتحدة للزراعة والتغذية FAO لنعمل هنا بالجزائر!