عادت السجالات مجددا بين شقين من اللبنانيين أو أكثر في الفترة الأخيرة، منذرة بمرحلة إضافية من التوترات حتى وإن بقيت محدودة ورغم أن الجهود التي بذلها الرئيس السوري بشار الأسد والعاهل السعودي الملك عبد اللّه بن عبد العزيز قد نجحت في احتواء الأجواء المشحونة بين التيارات السياسية الأساسية، على خلفية المحكمة الخاصة بالنظر في جريمة اغتيال رفيق الحريري، إلا أن رواسب خلافات السنوات الماضية لا تزال قائمة. ومن بين أبرز السجالات التي ظهرت مؤخرا تلك التي دارت بين الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل والرئيس السابق إميل لحود. تضليل الرئيس المقاوم كما يطلق عليه أنصاره إميل لحود ردّ في بيان صادر عن مكتبه الاعلامي على تلميحات أمين الجميل ومحاولة الايحاء بأنه (أي لحود) كان أول من طالب بالمحكمة الدولية، في وقت يؤكد فيه الرئيس السابق بأنه كان أول من طالب بالمساعدة في التحقيق وتحصين المحكمة حتى لا يتم تسييس الأمور وخرق الدستور، ومصادرة القرار اللبناني. وقال البيان الصادر عن المكتب الاعلامي لإميل لحود: «لعلّ الرئيس الجميل يتذكّر مواقف الرئيس العماد لحود في موضوع المحكمة الخاصة الذي أخفاه عنه في الشكل والمضمون وزير معني ولو تم تحصين المحكمة منذ البداية بعدم مخالفة المادة 52 من الدستور واختزال صلاحية رئيس الجمهورية وتهريب مشروع اتفاق المحكمة بين لبنان والامم المتحدة ونظام المحكمة من الرقابة التشريعية لكننا وفرنا على البلاد والعباد ما نعيشه في هذه الايام من انحراف خطير في مجرى العدالة الجنائية المفروضة على لبنان بقرار دولي...». ويتهم البيان الصادر عن المكتب الاعلامي للرئيس لحّود الرئيس الاسبق أمين الجميل بأنه «محترف التضليل». وليست هذه هي المرة الاولى التي يدخل فيها «الرئيسان» في جدل وسجالات فأمين الجميل الذي عاد الى لبنان من المنفى عام 2000 اختار الانضمام الى التيار المعارض للرئيس لحّود، ولم يدخر جهدا في مهاجمته وانتقاده تماشيا مع خط قوى «14 آذار» التي أصبحت لاحقا أغلبية نيابية حاكمة. ورغم انشغاله في نزاعات مع كريم بقردوني على زعامة حزب الكتائب، كان الجميل من أبرز المناوئين للرئيس لحود. وظل الرئيس المقاوم صامدا رغم وطأة الضغوط الداخلية والخارجية، الى ان أنهى ولايته الدستورية وغادر قصر بعبدا شامخا و«هو مرتاح الضمير» وكانت تلك آخر كلماته التي أطلقها وهو يغادر القصر الرئاسي. عدو الطائفية والمتتبع لمسيرة اميل لحود يجده من اشد الكارهين للطائفية ومن الكادحين من اجل وحدة البلاد وضمان السلم الاهلي فيها، وهذا مشهود له منذ كان في الكلية الحربية الى ان عين قائدا للجيش، وصولا الى رئاسة الجمهورية. ولعل توجهات الرجل بوصفه داعما للمقاومة ومناهضا للمشروع الامريكي في المنطقة، وجزءا من جبهة الممانعة هو ما أدخله في دوامة المواجهات ودائرة الضغط، لكنه لم يرفع راية الاستسلام، وثبت على موقفه الى آخر لحظة غادر فيها السلطة. على طرف نقيض على طرف نقيض يقف الرئيس الاسبق أمين الجميّل مدفوعا بطموحاته السياسية، عاد الى لبنان وتخندق في صف التيار المناوئ للرئيس لحود وللنظام السوري، محمّلا رئيس الجمهورية وقتها (أي لحود) والقيادة السورية كل أوزار التناقضات السياسية في لبنان، والفوضى التي دخلت فيها البلاد من انقسامات واغتيالات. ولا ينكر أحد على أمين الجميل تاريخه السياسي وخبرته، إلا أن انسياقه وراء مشروع أعدّ لتدمير سوريا والمقاومة من بوابة لبنان، جعله أقرب الى تغليب المصلحة الحزبية والشخصية منه الىتغليب المصلحة الوطنية.