حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي كشف حقائق ووقائع.. وكشف أيضا عن موقفه ممّا حصل ل«سي أحمد» بن صالح.. بمعلومات تاريخية، تحدّث الأستاذ «علي بالرّايس» عن صاحب المذكرات مشدّدا، وسأله عبر هذا المكتوب، عن الثقة التي منحها بن صالح لبورقيبة، لكن «سي أحمد» يقول ان مسألة عزله من الاتحاد وهو خارج البلاد سنة 1956، كانت من خلال اجتماع للمكتب التنفيذي.. فالأولى محاسبة المكتب التنفيذي وليس بورقيبة الذي أعطاهم التعليمات. وأضاف أن تونس كانت دولة تعمل بمؤسسات، وأن ما ذكرته بدأ سنة 1968 تحديدا وقد أوردنا القصص المرافقة لذلك. والمسألة حسب «سي أحمد» لا تدخل في باب الثقة من عدمها، فقد عملت ضمن أطر دولة لها مؤسسات.. وشخصيا أعتقد جازما أنني ساهمت ولمدة سبع سنوات في ابعاد بورقيبة عن ما أسمّيه الذاتون.. وكان يتصرّف زمنها كرجل دولة مسؤول، يؤمن بالتخطيط وبالاقلاع.. والتنمية. الأستاذ علي بالرايس يقول إذن: «كنا ونحن تلاميذ في ستينات القرن الماضي من المعجبين بنشاط الأستاذ أحمد بن صالح حتى أننا ألفنا طرفة مفادها أن رجلا كان يجلس مع ابنه الصبي ذي الخمس سنوات في أحد المقاهي ودخل «سي أحمد» الى المقهى ورآه الطفل الصغير فسأل أبيه: هل هو الرجل الذي يسكن في التلفزة يا أبي؟ وقد نلنا جائزة الشعر في الملتقى الوطني للشبيبة المدرسية الذي احتضنته مدينة القيروان الغراء بقصيدة مطلعها: «يا سائلا عن موطني شبابه مجدد وزينه زين الشباب أحمد» وتعرفت عليه شخصيا عندها كنت طالبا سنة 1968 حيث كنت أحضر حلقات لجنة الدراسات الاشتراكية التي كانت تضم نخبة تونس يتقدمها المرحوم الشيخ الفاضل بن عاشور وأذكر أن سي أحمد الذي كان يترأس اللجنة قدم لنا وبظرفه المعهود الأخ التيجاني حرشة قائلا ان التيجاني «أرطب» عكس لقبه وكان الأستاذ الطرودي الذي يسميه سي أحمد «اليوم باش حامبة يحضر معنا». ولن أنسى ما قدمه لولاية بنزرت ولمسقط رأسي رفراف بالخصوص والى اليوم عندما نتخاطب يقول لي «سي أحمد»: «رفرفلي» على الجميلة رفراف وخاصة عندما كان على رأس الولاية المناضل الكبير الأستاذ الهادي البكوش. فقد وقع ربط «رفراف» بالشاطئ بواسطة طريق معبد جعل من الشاطئ مدينة أخرى ودشن «سي الهادي» جزءا آخر للمدرسة الابتدائية وتمّ تأسيس معهدي رأس الجبل وماطر رغم معارضة وزير التربية آنذاك المرحوم المسعدي وأسند أراض بالحبيبة الى عدد هام من فلاحي رفراف لا يزالون ينعمون الى الآن بمردود فلاحتهم وبنى عددا كبيرا من المساكن على أنقاض الأكواخ.. أذكر أيضا أن المرحوم الدكتور محمد بن صالح كان يقضّي الصيف برفراف وله أرض بها وكان يجلس بتواضع كبير في حانوت تاجر فيسأله المواطنون: «أنت خو أحمد بن صالح فيجيب: «لا لست أنا أخ أحمد بن صالح بل أحمد بن صالح هو خويا..». وأذكر وأذكر ما لا يعد ولا يحصى وعند المظلمة الشنيعة والتي أدت بمصداقية بورقيبة الى الهاوية بدفع من وسيلة ومحمد المصمودي حسب الباهي الأ دغم الذي دعم المظلمة وكان يزيل الطوابي ويقول: «ربي يغفر ويسامح» ووقف مواقف مخجلة مع «البشير ناجي» الذي حرمه من الحصول على التقاعد ومع المنجي الفقيه الذي سجنه ثم شعر بالغصة قائلا لسي أحمد في بيته والدموع تنهمر من عينيه. «إني أشعر بغصة يا سي أحمد فأجابه أمام الحاضرين «تفضل اجلس توّ نحيلك الغصة» (وقد أوردتها «الشروق» على لسان صاحب المذكرات في احدى الحلقات الفارطة).. وقد تشرفت شخصيا بالوقوف ضد هذه المضرة صحبة زملائي الطلبة قولا وفعلا وتشرفت بمضايقات عديدة أقلها منعي من مغادرة تراب الجمهورية من طرف مدير الأمن آنذاك (...) الذي كان متحمسا جدا للتعاضد ولا يقبل النقاش عندما كان واليا واسألوا مواطني معتمدية رأس الجبل إن كنتم لا تعلمون. الحمد للّه الذي أطال عمر سي أحمد وأطلعنا على بعض الحقائق وأريد أن أسأل سي أحمد: كيف تقبل أن تكون وزيرا لكل شيء وتقيم مشروعا عملاقا في دولة لا مؤسسات فيها وتسير (الدولة) حسب المزاج وتوجيهات (...) والبطانة المحيطة برئيس الدولة والتي كانت عبارة عن ضيعة خاصة.. وأذكر امرا غريبا عجيبا يتمثل في ارسال كتاب «الحسين ثائرا والحسين شهيدا» لعبد الرحمان الشرقاوي الى سي أحمد وهو في السجن وكان اسمي مكتوبا على الصفحة الأولى من الكتاب ومعه قصيدة كتبها أحد أصدقائي مطلعها: سبحانك أحمد لن يقوى إن يغسل من دمك الخنجر وبناؤك أحمد لن يهوا مهما حاول شانئك الأبتر ومزّق الصديق الورقة التي عليها اسمي وبعد مدة وجيزة وأنا خارج من كلية الأداب قال لي أحدهم: ان صاحبك سي أحمد خرج ولم يعد، اي أنه حرّر نفسه ومن المؤكد انه ترك الكتاب في السجن فلو بقي اسمي مكتوبا على الكتاب لورثت سي أحمد في سجنه والحمد لله على لطفه... وهنا أريد ان أسأل صاحب المذكرات: يا سي أحمد كيف تعطي الثقة لشخص غدر بك وبغيرك سابقا عزلك من اتحاد الشغل وانت خارج الوطن، بماذا تفسر تأخر العرب وتقدم غيرهم وما هي الحلول للخروج من هذا التخلف المهين. ملاحظة : بعد اطلاعي على تعرض سي أحمد الى المحاولات القذرة لاغتياله رجعت بي الذاكرة الى المتنبي وكأنه يتحدث عن سي أحمد مخاطبا الأقزام: يا من نعيت على بعد بمجلسه كل ما فعل الناعون مرتهن كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن قد كان شاهد دفني قبل قولهم جماعة ثم ماتوا قبل من دفنوا ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن وعندما دخل «سي أحمد» السجن ظلما وعدوانا وباطلا كنا ونحن طلبة ومن أنصار سي احمد وضد الاقزام نردد ايضا أبيات المتنبي: «غير اختيار قبلت برّك بي والجوع يرضي الاسد بالجيف كل أيها السجن كيف شئت فقد وطنت للموت نفس معترف لو كان سكناي فيك منقصة لم يكن الدر ساكن الصدف» ويبقى سي احمد عملاقا لا تطاله الأقزام، أطال ا& عمر سي أحمد وعاقب اللّه المجرمين الذين قاموا بالتآمر ضده اي ضد تونس مسببين بذلك مرضا عضالا لبورقيبة لم يشف منه أبدا لتوبيخ ضميره فهولا يعلم بشيء رغم قوله «التعاضد في كل شيء الا في النساء». وأنهي هذه الكلمة بمطلع قصيدة قالها الشاعر الكبير الصديق المنصف الوهايبي وكنا طلبة عند «محاكمة» بن صالح من طرف المحكمة «السفلى»: «حياتكم افيون وعقلكم باطل فحكموا المجنون وحاكموا العاقل» لقد كان «سي احمد» ولا يزال عملاقا لا تطاله الاقزام مصداقا ايضا لقول المتنبي: «اذا أتتكم مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل» وحشانا وحاشا سي احمد ان يدعي الكمال ولكنه مصلح تعد عليه قولة الشابي: وكذا المصلحون في كل درب