تعيشُ مختلف أحزاب المعارضة في تجاذب بين وقع مخلفات الانتخابات التشريعية والبلدية التي جرت على امتداد أشهر فارطة وانتظارات مواعيد حزبية هامة متوقعة في أفق سنتين مقبلتين لمختلف الأحزاب. ولم يعد خافيا حراك التقييم والانتقاد لما تمّ فعله وانجازه خلال الأشهر الماضية وحيال استشراف قدرات هذه الأحزاب وإمكانياتها لخوض ما ينتظرها من مواعيد مقبلة، وتضع جملة هذه الأحداث قيادات الأحزاب وبالأخص منها الأمناء العامين مواضع صعبة جدّا لتبرير نتائج وحصاد ما تمّ تحقيقه خلال الفترة القريبة السابقة وتأمين فرصهم لمواصلة الاضطلاع بالمهمات القيادية الأولى لفترة أخرى، من جهة، ولوضع التصورات والخطط والبرامج الإستراتيجية للمستقبل بما فيه من تحديات جمّة لتدقيق مناهج العمل وتقويم ما يُمكن قبل حسابات المؤتمر من جهة أخرى. صعوبات ورهانات وتتحدّث أوساط عدد من أحزاب المعارضة وكواليسها عن صعوبات يُلاقيها عدد من الأمناء العامين في ضبط الأوضاع الحزبية وتفادي سيل هائل من الانتقادات الموجهّة أساسا لطرق تصريف الشأن الحزبي اليومي، ولم تخل اجتماعات رسمية لمكاتب وهيئات سياسية قيادية من تبادل للتهم لم تسلم منه حتى قيادة أعرق حركات المعارضة (حركة الديمقراطيين الاشتراكيين) عندما سعى السيّد اسماعيل بولحية وفي فعل عدّه عدد من قيادات الصف الثاني في الحركة نفسها «حركة مجانية ومجانبة للصواب» على خلفية المسعى «اللاقانوني» لضم السفير السابق في داكار السيّد جلال الأخضر للمكتب السياسي وهو أمر موكل بحسب القانون الداخلي ل «ح د ش» للمجلس الوطني أو للمؤتمر دون سواهما من الأسماء أو الهياكل، وقد ووجه السيّد بولحية خلال آخر اجتماع للمكتب السياسي بعاصفة شديدة من النقد حتى من أقرب المقربين إليه (محمّد الصحبي بودربالة) جعلتهُ يسحب بلاغ ضم الأخضر ويعدل عن الفكرة إلى حين. هذا مع ما يجتاحُ أحزاب أخرى من جدل واسع حول طبيعة الأنشطة المبرمجة وامكانيات التحرّك، وكانت الرسالة التي حرّرها الثلاثي السادة محمّد حرمل ومحمّد علي الحلواني وبوجمعة الرميلي بمثابة التأشير على سلبية ما تقوم به الهيئات القيادية لحركة التجديد والتأكيد على ضرورة التفاعل من أجل تصحيح أوضاع الحركة والعودة بها إلى مبادئ التوحيد وتمثيل كامل أطياف الحركة الديمقراطية والتقدمية اليسارية في البلاد بعد فشل مؤتمر جويلية 2007 في تحقيق ذلك الهدف. رسالة وحسابات وشكّلت تلك الرسالة عودة جديدة لأحد الأسماء الهامة في مسار حركة التجديد وهو السيّد محمّد علي الحلواني رئيس آخر مجلس وطني للحركة قبل مؤتمر 2007 ومرشحها لرئاسية 2004. ويرى عديدون أنّ الحسابات داخل أحزاب المعارضة بدأت مباشرة إثر الانتهاء من الانتخابات البلدية ليوم 9 ماي الفارط، حيث باشر عدد من المناضلين والقيادات الوسطى (الصف الثاني) التحرّك مغتنمين ما بدا لهم مساوئ أو سلبيات المشاركة الانتخابية. وبادرت عدّة أسماء للتقدّم والتعبير عن رغبات للترشّح للمناصب الأولى في أحزابها على غرار ما فعلهُ السيّد الطيب المحسني الأمين العام المساعد الأوّل لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين والسيّد منصف الشابي الذي عبّر في آخر مجلس وطني للاتحاد الديمقراطي الوحدوي غداة الانتخابات البلدية الأخيرة عن عزمه الترشح للأمانة العامة خلال المؤتمر المقبل في غضون السنة المقبلة، هذا المؤتمر الذي قد يشهد تقدّم أسماء أخرى للترشح على غرار السيدين محمد نزار قاسم وابراهيم حفايظية، والسيدين هشام الحاجي ومنير العيادي من حزب الوحدة الشعبية اللذين لم يعودا يُخفيان نيتهما الترشح لمنصب الأمانة العامة في حال عدم ترشح السيد محمد بوشيحة بالنسبة للأوّل وفي جميع الحالات بالنسبة للثاني الذي يعتبر ضرورة وجود تعدّد في الترشح لقيادة أحزاب المعارضة على غرار التعدّد الذي أصبح موجودا على مستوى رئاسة الجمهورية. وتؤشّر كواليس الحزب الديمقراطي التقدمي عن حالات من التقييم السلبي لتجربة الأمينة العامة الحالية للحركة مع المؤشرات التنظيمية الخطيرة والتي ترجئ حاليا ومنذ فترة سابقة انعقاد المؤتمر الوطني برغم فوات آجاله القانونيّة المنصوص عليها في النظام الداخلي والقانون الأساسي. ولا تختلف الوضعيات داخل سائر الأحزاب عن المذكورة أعلاه، إذ هناك لغط واسع حول طبيعة أسماء ومهمات المرحلة الحزبية القادمة وطبيعة العلاقات الواجب توفّرها داخل مختلف الهياكل الحزبية، وفي هذا الصدد صعدت أسماء عديدة داخل الحزب الاجتماعي التحرري من ابرزهم السادة محسن النابلي وخليفة الطرابلسي وبوجمعة اليحياوي والسيدة روضة السايبي، أمّا في حزب الخضر للتقدّم فقد حققت أسماء خطوات متقدمة على غرار السيّد محسن حسن والآنسة فاتن الشرقاوي نائبة الأمين العام ورئيسة تحرير الصحيفة الناطقة باسم الحزب والنائبة في البرلمان. تحركات وسباق مع الزمن وفي مقابل تقدّم مختلف هذه الأسماء إلى واجهة الأحداث والأضواء و«التكشير عن الأنياب» الذي أبداهُ البعض منها، ما فتئ الأمناء العامون لمختلف الأحزاب يتحركون ويسعون لعقد الأنشطة واصدار المواقف والبلاغات والبيانات لتأكيد حضورهم وقدرتهم على تنفيذ المهمات القيادية الموكلة لهم، وفي هذا الإطار برز بالخصوص تحرّك السيّد منذر ثابت الذي نجح في استقطاب وجه ليبرالي معروف جدا وهو السيد «لمين با» واستضافه في تونس مؤخرا ضمن نشاط لليبراليين الأفارقة وكذلك الحرص الذي أبداه الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوي السيّد احمد الإينوبلي ووقوفه الشخصي من اجل إنجاح الندوة التي تمّ تنظيمها مؤخرا بأحد نزل العاصمة حول المشروع القومي العربي والتي شهدت مشاركة عدد من الأسماء المتميّزة أسهمت في نجاح ذلك النشاط. ومن المؤكّد أنّ الفترة المقبلة ستشهد توضّحا وتجليا لمختلف هذه الأطوار والمستجدات الاسمية والتي ستكون لها انعكاسات على مستوى العديد من المجالات الحزبية والتنظيمية إلى حين حسم المؤتمرات الوطنية المرتقبة.