كلما ارتكزت الولاياتالمتحدة الى سند وجدته فينا، وكلما كانت بحاجة الى عصاة وجدتنا الامثل، وكلما اقتضى الامر ممارسة ضغوط كان العرب الجسم الرخو الذي يصلح للاستجابة للضغط. فالادارة الامريكية تعيش ازمة حقيقية في أفغانستان، لا تنفع معها المزيد من الدماء والقتل، وازمة اخرى في العراق، لم تنفع معها حتى الان جهود الجيران والاصدقاء، وتعود الى حرب الجواسيس مع روسيا، حيث تعلن هذه الاخيرة ان عميلا قابعا في أقبية البنتاغون هو من سرب الوثائق حول تجاوزات القوات الامريكية الى موسكو، وهي التي وضعتها على الشبكة الالكترونية. وما محاولة واشنطن إلصاق التهمة بجندي أمريكي الا من باب عدم الاعتراف بالاختراق. الادارة الامريكية تحقق اختراقات في أوروبا، وتراوح مكانها في اسيا، لكنها تعرف ان من يدعمها في القارة العجوز هو الفريق المرتبط باسرائيل، لان أوروبا كلها، دولة دولة وحزبا حزبا، تنقسم الى معسكرين : معسكر الاستقلالية وهو الذي تقوم سياسته الخارجية على مبدإ التوازن، ومعسكر «الاطلسة» وهو الذي تقوم سياسته على اللحاق بالأمركة والالتزام الكلي بدعم اسرائيل، لانه متماه مع اللوبي اليهودي داخل بلدانه. هذا الجزء من أوروبا، وامامه الدولة العبرية لا يضعون على رأس قائمة اهتماماتهم، في هذه المرحلة الا الملف النووي الايراني، وذلك لاعتبارات تضم الامور الامنية الدفاعية، ولكنها تتجاوزها الى أمور تتعلق بالطاقة والاقتصاد. لذلك لم يعد امام ادارة أوباما الا السماح بمغامرة عسكرية في الشرق الاوسط، اما بتكفل الجيش الامريكي بها، واما بدعم الجيش الاسرائيلي ليقوم بذلك. المغامرة قد تبدأ من ايران، وقد تبدأ من لبنان، ولكن في الحالتين لا بد من شل «حزب الله» اللبناني. ولا بد من تغطية الامر على الساحة العربية بتحرك ديبلوماسي ممّا يشكل الغبار الضروري لتحركات المعركة. واذا كان قرار المحكمة الدولية باتهام «حزب الله» هو طليعة عملية شل المقاومة اللبنانية، وانتزاع مشروعيتها على الساحة اللبنانية، فان عودة المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين هي الغطاء الديبلوماسي الامثل الذي طالما نشرت واشنطن خيمته كلما احتاجت الى ذلك. ولنراجع التاريخ الحديث لنرى ان كل عدوان امريكي كبير في المنطقة قد تمت تغطيته بمرحلة من الوساطات او المفاوضات حول فلسطين دون ان يؤدي ذلك الى تحقيق بوصة واحدة على صعيد القضية التي مازلنا نصفها بالمركزية، وهي كذلك فعلا، ولكن بالنسبة الى اسرائيل ومن يدعمها من يهود العالم وحلفائهم. لذلك يتحدث الكل عن ضغوط امريكية مورست على العرب لكي تتخذ لجنة المتابعة القرار الذي اتخذته في القاهرة، وعن ضغوط مورست على الرئيس الفلسطيني لشطب شروطه كلها والذهاب بصمت الى بيت الطاعة الاسرائيلي الامريكي. ولذلك جاءت جولة الملوك والرؤساء العرب في أكثر من بلد عربي، ليكون المصب في لبنان، حيث لن تؤدي الزيارة الثلاثية الى أكثر من تهدئة أو تأجيل، ولا حلم بالحل. وفي الانتظار يشحذ الكل سكاكينه، ويتركوننا ننتظر خريف الدم.