يمرّ أرباب الأسر في تونس هذه الأيام بفترة عصيبة جدّا جراء التزامن مع ذروة الاستهلاك وتلاقي عديد المواسم، وسيزداد ذلك الضغط مع اقتراب حلول شهر رمضان وبدء الإعداد للموسم الدراسي الجديد. وجدير بالتذكير أنّ حماية المقدرة الشرائية للمواطن كانت ولا تزال هدفا استراتيجيّا في فلسفة وتوجهات الرئيس زين العابدين بن علي الّذي انحاز دوما إلى الفئات الضعيفة والمحتاجين وذوي الدخل المحدود وأكّد سيادتهُ باستمرار على محوريّة عمل المصالح الإدارية المهتمة بالإنتاج وتزويد الأسواق والمراقبة، وبناء على تلك التوجهات لم يكن غريبا أن يؤكّد السيّد وزير التجارة أمس خلال لقائه مع المديرين الجهويين على ضرورة حسن الاستعداد لتزويد منتظم للسوق خلال الفترة المقبلة بالتعويل على الإنتاج الوطني وأن يُشدّد على أهميّة اتخاذ كلّ التدابير اللازمة لمنع كلّ أشكال التلاعب بالأسعار أو احتكار البضائع والمنتوجات التي يتضاعف الإقبال عليها بمناسبة حلول شهر الصيام على وجه الخصوص. إنّها مسؤولية إداريّة جسيمة في فرض السير العادي لتزويد الأسواق وإتاحة الفرصة لجميع التونسيين لاقتناء ما يلزمهم دون عناء أو مشقّة ودون تحمّل تبعات إضافيّة جرّاء تهافت بعض الباعة أو المنتجين. إنّه من حقّ المواطن أن يتمتّع بخيرات بلاده بشكل يتلاءم مع مقدرته الشرائية وحجم الأجر الذي يتلقاه وأن يقوم بالتبضّع وشراء ما يلزم حياته اليوميّة في أفضل الظروف وأيسرها، ومن واجب المصالح الإدارية المعنية أن تحمي «قفّة المواطن» من كلّ أشكال الغش والتلاعب والترفيع في الأسعار وما شابه ذلك من الممارسات المخلّة بشفافية المبادلات التجارية وذلك من خلال تسخير فرق مراقبة اقتصادية قارة بالأسواق ورصد وضعية السوق والتعرف على مشاغل المستهلكين ومراقبة الجودة للحفاظ على صحة وسلامة المستهلك. والمؤمل أن تكون الخطط والبرامج التي من الطبيعي أنّها وُضعت منذ فترة سابقة لتأمين المعدّلات المطلوبة من المخزونات التعديلية من مختلف المواد الحساسة كالحليب والباطاطا والبيض والدجاج إلى جانب توفير المواد الأخرى التي يتنامى الإقبال عليها خلال هذه الفترة ، أن تكون تلك الخطط والبرامج فاعلة ونافذة وذات نجاعة ومردوديّة، إذ لا معنى لمخزونات تعديلية إن لم تنتف من الأسواق ظاهرة ندرة البضائع أومظاهر الاحتكار المختلفة. ولكن، فإنّ المستهلك نفسهُ، وباعتباره العنصر الأساسي في عملية الاستهلاك، يبقى في حاجة إلى أن يستوعب دوره في الحفاظ على قدرته الشرائية عبر الاعتدال في الاستهلاك وترشيده والتحلي باليقظة والتصدي لكل التجاوزات التي تتم ممارستها في المعاملات التجارية والتبليغ عنها مثلما دعتهُ إلى ذلك أمس الأول منظمة الدفاع عن المستهلك في بلاغ لها، هذا البلاغ الذّي شدّد كذلك على محورية التزام المنتجين والتجار ومسديي الخدمات بالسلوك المسؤول وإضفاء الشفافية اللازمة على معاملاتهم مع المستهلكين والدور المركزي للسلط العمومية المشرفة على القطاع التجاري من أجل مزيد الإحاطة بأوضاع السوق والمتابعة اليقظة لمختلف المعاملات التجارية والتدخل الناجع للتصدي للتجاوزات والاخلالات وردعها والسهر على توفير الظروف المثلى لتزويد السوق بالكميات الكافية والجودة المطلوبة وبالأسعار المناسبة. إنّها مسؤولية جماعية، لا يجب أن تغيب عنها قيم القناعة والاعتدال في الاستهلاك والربح المشروع ، ولا يجب أن تغيب عنها أيضا الصرامة والحزم في التصدي والوقوف في وجه مختلف أصناف التجاوزات والدقّة في ضبط حاجيات الناس وضروريات تزويد السوق ومستلزماته.