في هذه الفوضى الكونية التي تخيّم على الأمكنة والأحوال.. تبرز الفكرة حاضنة شيئا من الأحلام والأمنيات بعيدا عن موسيقى الأحزان... هكذا تأسرنا الارواح في بهائها وهي تعانق الحروف والكلمات في بهجة لا تضاهي... هل ثمّة أمكنة... نعم يمضي الشاعر في هذه الأزمنة باحثا عن أمكنته الاولى وألوانها الملائمة... آه... ما أضيق مساحات الود والمحبة... وليكن على رأي درويش... لابد إذن من سفر آخر... في هذه الفسحة التي نفتقد فيها من نعتبرهم من خيرة الناس... أدبا وحياة... خلقا وأخلاقا.. وأذكر هنا على سبيل المثال المرحومين المبدعين الكبيرين الجيلاني بن الحاج يحيى ورضوان الكوني. احترم كثيرا الرجلين.. كنت أتابع كيف يدير الاديب رضوان الكوني الجلسة الكبرى الخاصة بأربعينية الفقيد الجيلاني بن الحاج يحيى... هذه الجلسة التي غصّت فيها قاعة المركز الثقافي بالوردية أوائل هذا الصيف بعدد من الأدباء من تونس وجربة. لم يكن رضوان الكوني الاديب والانسان يعلم انه سيلتحق بالجيلاني بعد أسابيع قليلة. انها الحياة العابرة.. نعم انه القدر.. إن الموت.. الحقيقة الكبرى. رحم الله من رحل ورزق الأحياء فكرة العبرة والاعتبار حيث ان ساحتنا الادبية صارت منعوتة بشتى اشتقاقات الاحتقان والكراهية وشحنات شتى من النميمة والتداعي الوجداني والانساني... أذكر هذا وأنا أتذكر آخر كلمات الأديب رضوان الكوني الذي كرمناه في المهرجان الوطني للأدباء الناشئين بحي الزهور (2، 3 و4 جويلية 2010) حيث حف به المرض ولا حول ولا قوة الا بالله. أذكر ايضا بعض القيم التي افتقدتها ساحتنا الادبية وأنا أنظر لوجه أديب كبير.. عرف أدبه نجاحات في تونس وخارجها.. ترجمت أعماله.. لا يعرف غير العمل والكتابة ومحبّة الناس والآخرين.. لا يهمه الضجيج وافتعال المؤامرات ومجالس النميمة.. اجل بقي على خصاله التي عرفته بها منذ اكثر من عقدين من الزمن... انه رجل كألف.. انه الاديب المتأدب... سي حسن.. انه حسن نصر. كان لقاؤنا بفضاءات السليمانية حيث دعوناه بعد حصوله على الكومار الذهبي... عن روايته الاخيرة الصادرة عن دار ورقة.. «كائنات مجنّحة». تمضي مع الرجل في حديث عن الناس والحياة والآداب والأمكنة فتأخذك رغبة في التحليق عاليا.. بكثير من البهجة.. أحمل ما قال لي صديقي حسن نصر: «الكتابة فعل حياة.. ووجود... ومحبّة.. والأديب هو كائن لا يمكنه ان يعرف غير الحب ليسموَ بالذات وبالناس.. الادب عمل نبيل....» حسن نصر.. رجل آخر خارج السرب.. سرب الانحطاط وتدهور الحال.. رجل لا تملك الا ان تفتخر به.. بعد ان أحببت أدبه.. وطريقة حياته.. ونظرته لذاته.. وللآخرين.. غاية في التواضع والابداع والامتاع بعيدا عن سوق الاحقاد والوهم. أطال الله عمر حسن نصر ومتّعنا بأدبه.. نتمنى له الصحة الجيدة ومزيد الابداع...