حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي يقول «سي أحمد» بن صالح مجددا، إنه تمنّى ان يبقى بورقيبة رئيسا للبرلمان وأن يكون صالح بن يوسف رئيسا للحكومة... وبذلك يرى صاحب المذكرات ، أن جزءا كبيرا من الاحتقان الداخلي كان سينتفي، بين بورقيبة وبن يوسف. فعندما وقع الاتفاق على الاستقلال، كان بورقيبة رئيسا للمجلس التأسيسي (المنتخب) وتمنيت وعبّرت عن ذلك، أن لا يدخل بورقيبة الى الحكومة، وأن يبقى رئيسا للمجلس ويراقب الحكومة فقد ذكرت إبان الحديث عن تلك الفترة وعبر هذا الركن ان المجلس التأسيسي اتخذ له مهام جديدة تتمثل في مراقبة الحكومة، وهذا هو الدور الذي تمنيته في ما بعد... وفي نفس الوقت الذي يبقى فيه بورقيبة على رأس المجلس التأسيسي (البرلمان) يكون صالح بن يوسف على رأس الحكومة، وعندها نتراجع في ما يخص المعارك الداخلية. كانت تمنيات انسان «تنقصه الحيلة السياسية» (كما أشار أحد المساهمين في هذا الركن عن بن صالح) وأنا يضيف سي أحمد سعيد بهذا النقص.. وهنا يربط «سي أحمد» بن صالح كلامه هذا بما وقع له في علاقته ببورقيبة قائلا: «هناك من احتار وأصابه الذهول، كيف يجلس بن صالح مع بورقيبة كل هذه الجلسات (جلسات أسبوعية ثنائية بدعوة من بورقيبة، وفي القصر) ولا يتوق الى الحكم؟ هناك من ينظر الى الأمور بمنظار فرنسي استعماري لذلك كان لابدّ أن يخلقوا لبن صالح شيئا أو «سيناريو» يقنعون به بورقيبة أن بن صالح يريد انتزاع الحكم منه.. وقد قصصت هنا، كيف كانت تلك المحاضرة بجهة الساحل، التي تكلّمت فيها عن عودتي (الافتراضية) الى حمل المحفظة والاتجاه الى المدرسة وكيف ان بورقيبة رفض ان تُبث لا عبر الراديو ولا على شاشة التلفزة. ... كنت وقتها شاعرا بما قد يحصل... لأن المؤامرة بدأت، وخيوطها بدأت تلوح... عندما خرجت من وزارة الاقتصاد هناك من سارع الى التهليل والابتهاج والشكر وتمجيد بورقيبة لأن عهد الديمقراطية سيحلّ بخروج بن صالح!! وهنا أذكر انه وفي يوم من الأيام، قلت للدكتور محمود بالناصر (صديق له) لماذا لا تقوموا بندوة صحفية تعلنون فيها أنتم أطباؤه أن بورقيبة سيعيش مائتي سنة (200) وأن صحته تمكّنه من ذلك حتى تهدأ الأوهام... أوهام يصنعونها صناعة، ولا يعترفون بأنها مشحونة «جهويات» وهي أبعد ما تكون عن مشاق التنمية الشاملة في تونس». سألت «سي أحمد» عن علاقته ب «ابن خلدون» وهو الذي مافتئ الى يوم الناس هذا، يحفظ المقدّمة ويضعها على يساره يتأبطها معنى وجوهرا.. يقول صاحب المذكرات: «أنا أعتبر ان ابن خلدون جاء في وقت فوضى ... وقت متبعثر... الأمر القوي ان ابن خلدون استوعب تلك الأوضاع... وكما يقال حتى خارج الوطن العربي، فإن ابن خلدون خلق علما جديدا باعتراف علماء العالم وهو «علم الاجتماع». عندما نقرأ المقدمة، نتفطن ونعلم كم علم الاجتماع مرتبط بالاقتصاد وبالتنمية التي نسميها المعاش. ويعني التنمية والتقدّم لا يكون اي منها حيّا اذا لم يكن في طريق إحياء المجتمع وضمان تطوّره المستمر. وبالمناسبة نقول إن «ابن خلدون» نبّه المؤرخين او المتطلعين الى التأريخ، بأن التاريخ هو صدق وتحقيق.. وهناك الجزء الأول من المقدمة، بل الأسطر الأولى ضمّن ابن خلدون تحذيره من التسرّع... بحيث عندما تقرأ ما كتب عن التاريخ، لا يمكن ان تصدّق انه كتبه قبل ستة قرون. أذكر أنني طبعت هذا الجزء من المقدمة، الذي يحدد فيه ابن خلدون شروط التأريخ ووزّعته على من يدّعون انهم دكاترة في التاريخ..».