تزخر مدينة القيروان بالمعالم الإسلامية التي تمثل إرثا حضاريا عريقا وشاهدا على حقبة تاريخية فارقة تركت بصمتها كمنارة إسلامية أشاعت العلم والفقه. وتعد هذه المعالم الإسلامية اليوم قبلة الزائرين خلال المناسبات الدينية لتحولها الى قطب للاحتفال. ولعل المناسبة الأبرز هي شهر رمضان الذي تشهد فيه هذه المعالم حركية كبرى استذكارا للماضي والتماسا للنفحات واستشباعا للروح واستلهاما للمقدس. لعل أبرز ما جاءت به العمارة القيروانيّة، جامع عقبة بن نافع الذي وضع اسسه سنة 50 ه. وكان الجامع حين إنشائه على أغلب الظن بسيطا صغير المساحة تستند أسقفه على الأعمدة مباشرة، دون عقود تصل بين الأعمدة والسقف. ثم ومع تعاقب الحقبات والامارات ظل محل تعهد من طرف الولاة والأمراء الأفارقة. ويعود الفضل لزيادة الله الأول في رسم ملامحه وتخطيطه النهائي 221-223ه. وأضاف أبو ابراهيم أحمد سنة 248 ه المجنبات وقبة البهو. وهو يشتمل على 17 بلاطة وثمانية أساكيب ويستمد تخطيطه من الجوامع الأمويّة مع الإقتداء بمثال جامع الرّسول بالمدينة. الشكل الخارجي يوحي الجامع للناظر أنه حصن ضخم. إذ أن جدران المسجد سميكة ومرتفعة وشدت بدعامات واضحة. يتميّز تخطيط جامع القيروان ببساطته فهو يتكوّن من مستطيل منحرف و مبني في اتّجاه الطول إقتداء بالجوامع العراقيّة ويبلغ طوله بين 127.6و125.2 وعرضه بين 78م عند جدار القبلة و 71.70م. والنسبة بين أبعاد جامع القيروان تخضع إلى العدد الذهبي 62.1 المتعارف عليه لدى الإغريق ثمّ الرومان من بعدهم. وهذا العدد هو المعتمد في التدليل على حسن تناسق الأبعاد الهندسيّة لمعلم ما وتناغم أحجامه. المئذنة تعد المئذنة من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في أفريقيا. وتعد جميع المآذن التي بنيت بعدها في بلاد المغرب العربي على شاكلتها ولا تختلف عنها إلا قليلا، ومن المآذن التي تشبهها مئذنة جامع صفاقس، ومآذن جوامع تلمسان وأغادير والرباط وجامع القرويين، هذا غير بعض مآذن مساجد الشرق كمئذنة مسجد الجيوشي في مصر. تتكون المئذنة من ثلاث طبقات كلها مربعة الشكل، والطبقة الثانية أصغر من الأولى، والثالثة أصغر من الثانية، وفوق الطبقات الثلاث قبة مفصصة. يصل ارتفاع المئذنة الكلية إلى 31.5 مترا. وتقع المئذنة في الحائط المواجه لجدار القبلة في أقصى الصحن المكشوف، وضلع طبقتها الأولى المربعة من أسفل يزيد على 5.10 متر مع ارتفاع يضاهي 19 مترا، وتم بناء الأمتار الثلاثة والنصف الأولى منه بقطع حجرية مصقولة، بينما شيد بقية جسم المئذنة بقطع حجرية مستطيلة الشكل كقوالب الأجر. أما الطابق الثاني من المئذنة فهو مزين بطاقات ثلاث مغلقة ومعقودة في كل وجه من أوجه المنارة، في حين زين كل وجه من أوجه الطابق الثالث بنافذة حولها طاقتان مغلقتان، ويوجد في أعلى الجدار من كل طابق شرفات على هيئة عقود متصلة ومفرغة وسطها. يدور بداخل المئذنة درج ضيق يرتفع كلما ارتفع المبنى متناسبا مع حجمه حيث يضيق كلما ارتفعنا الى الأعلى. يعتقد أن هذه المنارة لم تبن دفعة واحدة، حتى إن الجزء الأول الأضخم منها بني في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أيام واليه على القيروان بشر بن صفوان، ثم أكملت عملية البناء بعد مدة طويلة حيث بني الجزءان الثاني والثالث فوق تلك القاعدة الضخمة. القباب ويبلغ عددها ست قباب .وهي قبة المحراب وتعد أقدم قبة بنيت في المغرب الإسلامي. وقبة باب البهو على مدخل البلاط الأوسط من جهة الصحن، وقد تم الاعتناء بها وزخرفتها بشكل كبير، وأعطت توازنا على بيت الصلاة. ثم قبتان (الثالثة والرابعة) تعلوان مدخل بيت الصلاة في الشرق والغرب. وقبة خامسة تعلو المجنبة الغربية للمسجد. وقبة سادسة في أعلى المئذنة. زخارف الجامع من أفضل زخارف الجامع زخارف المحراب والقبة التي فوقه. تكسو المحراب زخارف منقوشة على ألواح رخامية يوجد فيها فراغات تسمح بدخول الضوء. تغطي القبة زخارف نباتية على شكل ساق متوسطة أو فروع متموجة تتدلى منها عناقيد من العنب. أما المنبر فهو محفور على الخشب وفيه زخارف هندسية ونباتية، ويعود عهده إلى عام 248 ه. وقد كان لجامع عقبة دور كبير في نشر العلم ومبادئ الدين الاسلامي الحنيف. إن قيمة معالم القيروان وأصالتها وثراء كنوزها الأثرية وتنوعها تجعل منها أيضا متحفا حيا للفنون والحضارة العربية الإسلامية، وما تتسم به معالم المدينة من أشكال معمارية فاخرة ومن تنوع في رصيدها الزخرفي ينم ويشهد في آن واحد على الدور الذي قامت به في تأسيس الفن الإسلامي ونضجه ونشره.