يحكى أن هارون الرشيد اصطحب وزيره جعفر البرمكي ذات ليلة شتاء، اشتدّ قرّها وعصفت رياحها ولازم فيها كل مواطن مسكنه وخرج يتفقد أحوال رعيته وقد كان هو ووزيره متنكرين في لباس بدوي حتى لا يكتشف أمرهما. وبينما كانا يتنقلان من حي إلى حي ومن زقاق إلى زقاق شاهد هارون الرشيد دكانا صغيرا خارج المدينة ينبعث منه نور خافت فقال لوزيره: لنذهب إلى هذا المكان ونكتشف أمر هذا الدكان ومشى مع وزيره نحو ذلك المكان ولما وصلا أخذا يسيران في صمت حتى لا يتفطن لوجودهما من بالدكان وفي تلك اللحظة قال واحد من الأصدقاء الثلاثة الذين كانوا يتسامرون لو يأتي الآن هارون الرشيد إلى هذا المكان فسأطلب منه حصانا وكيسا من المال وأغادر البلاد فأجابه الثاني: كلامك هذا أحلام يقظة فهل تعتقد أن هارون الرشيد يغادر قصره في هذه الليلة الليلاء أرى أنه الآن ينعم بالدفء ورغد العيش فقال له صديقه الأول: وماذا كنت تطلب لو يتحقق حلم اليقظة فأجابه قائلا: أنا أطلب مائة ألف درهم وفتاة جميلة وقصرا بالبحيرة أما الثالث فقال أشبع الأمير سبّا وشتما. تسلل هارون الرشيد ووزيره جعفر البرمكي وابتعد الاثنان عن ذاك المكان ومن الغد بعث الأمير بأعوانه واقتادوا الشبان الثلاثة الذين حضروا أمامه وسألهم عما قالوه وتمنوه في سمرهم البارحة لو تشاء ظروفهم مقابلته فصرّح الأولان بما قالاه دون إنكار فطلب تنفيذ أمنيتهما فشكرا الأمير وغادرا القصر فرحين مسرورين وبقي الشاب الثالث واقفا يرتجف من شدة الخوف لأنه اعتقد أن كل ما قيل في سهرة البارحة وصل إلى هارون الرشيد فلا مناص من الإنكار وظن أن مصيره سيكون الشنق سأله هارون الرشيد عما قاله وتمناه البارحة فقال «كل إناء بما فيه يرشح» فأنت ابن أصول رفيع الحسب والنسب وأنا وضيع لا أصل لي ولا مفصل فضحك هارون الرشيد وأمر بإعطائه منزلا وكيسا من المال.