لم يخف المبعوث الخاص الأممي للسودان، يان برونك، تشنجه، وهو يتحدث في اجتماعات الجامعة العربية الطارئة، التي خصصت، للنظر في التطورات الجارية في السودان، وخاصة اثر القرار الاممي رقم 1556 والذي يمهل حكومة الخرطوم 30 يوما لتسوية الاوضاع في اقليم دارفور. يان برونك، كان متشنجا، على الرغم من انه كان «ضيفا» على مجلس الجامعة، ولم يتردد في الانتقاد وفي التذكير بفرضية اتخاذ العقوبات اثر المهلة المنصوص عليها، وفي تحميل «الجنجويد» كل مصاعب المنطقة، في حين كان الاطار الذي دعي اليه صحبة رئيس المفوضية الافريقية، إطارا ايجابيا للبحث في ما يمكن القيام به ضمن ما أقرته الاممالمتحدة، على الرغم من تسرعها في التوجه نحو التهديد بالعقوبات وبالتدخل الأجنبي، وعلى الرغم مما يفترض من حياد للمنظمة الاممية، باعتبارها اطارا للجميع، وليست أداة تحركها هذه الجهة أو تلك، طبقا لمصالحها وبرامجها الخاصة. لم ترغب الحكومة السودانية، ولا جامعة الدول العربية في تدويل هذه القضية، كما حدث طبقا لاسلوب، أكّد وجود برنامج خفي تخطط له الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا للسودان، أمّا وقد حدث ما حدث، واتخذ مجلس الامن الدولي قراره الخاص بدارفور، فانه كان يفترض التعاطي مع المنطقة، من منظار أشمل حتى يكون بالامكان الثقة في الدور الاممي، وما كان ينبغي اقتطاع دارفور، والتصميم على تدويل الاشكالات الحادثة فيها، وعلى تسويتها بالطريقة التي ترغب بها هذه الاطراف، رغما عن الجميع، في حين ان مشاكل دارفور، هي جزء من اشكالات عديدة في المنطقة المحيطة. الحكومة السودانية، اعترفت على لسان وزير خارجيتها بوجود مشكل انساني وامني وسياسي في دارفور، وذلك ليس بجديد ودعت الى مساعدتها في إيجاد الحلول الملائمة لهذه المشكلة في جميع جوانبها. واذا ما استعرضنا ما يحدث في المنطقة المجاورة للسودان، فيمكن القول ان بها عشرات الصراعات الدموية وملايين المهجّرين والهاربين من الحروب، دون إغفال ما حدث في رواندا وبورندي، من صراعات عرقية أودت بحياة الآلاف في وضح النهار، دون ان تثير تحركات دولية مضادة، وخاصة خلال حدوث المذابح الجماعية... وفي كل بلد من البلدان الافريقية المجاورة للسودان حركات عسكرية متمرّدة تجد الملجأ والدعم في الجوار، والمنطقة متحركة باستمرار... وقد أشار وزير الخارجية السوداني صراحة الى الدور الذي تقوم به ارتريا ضد بلاده. ولا تخفي ارتباطات النظام الارتري باسرائيل، منذ أن استقلت ارتريا عن اثيوبيا وتنكرت لجزء هام من شعبها المتطلّع لعروبته، وهذا الدور لا يقتصر على ارتريا فقط. واذا ما كانت الاممالمتحدة جادة في حل هذه القضية، فينبغي أن تتلافى حشر ما يحدث في دارفور، باعتباره صراعا اثنيا بين العرب والافارقة، كما تريد بعض الجهات الغربية، الايحاء بذلك بل ينبغي طرح كل مشاكل تلك المنطقة في مؤتمر دولي، تحت اشراف الاتحاد الافريقي باعتباره المنظمة الدولية الاقليمية المخولة بهذا الدور، لينظر في كل الاشكالات المطروحة، ويحضّ على ايجاد ميثاق جوار بين تلك الدول، تمتنع بموجبه عن تقديم الدعم العسكري او الملجأ للميليشيات المتمردة والانفصالية، كما هو الشأن بالنسبة للميليشيات المتمردة غرب السودان، وكذلك جنوبه، اذ أن ما يحدث الآن، هو تركيز على الجنجويد باعتبارها قبائل عربية متسلطة وإغفال متعمّد للاشارة الى وجود ميليشيات متمردة انفصالية، واذا ما سمح الدعم الغربي بانفصال جزء من السودان، كما تريده تلك الميليشيات فإن انفصال أو تفكك دول عديدة في المنطقة، طبقا لنفس المنطق، سيصبح امرا مألوفا. بما أن باب التدويل قد انفتح فانه لا يمكن حل هذا الاشكال دون طرح قضايا التنمية في تلك المنطقة وفي افريقيا عموما، بكل جدية ومسؤولية، من قبل الاممالمتحدة، فالقارة السمراء والتي تم استغلال ثرواتها وبشرها من قبل الغرب في حاجة اليوم الى مبادرات جدية لتطوير حياة الافارقة وتمكينهم من الدراسة والعلاج والغذاء والشغل، بما يمكّنهم من حياة كريمة... أما التمسك بأن كل قضايا العالم توجد في دارفور، وانه ينبغي تدمير السودان، كما حدث للعراق، حتى تمكين ميليشيات دارفور من «السلطة والثروة»، فانه اسلوب عقيم، لن يزيد الا في اضعاف دور الاممالمتحدة وفي فقدان مصداقيتها كما انه لن يؤدي الى أي حل في دارفور أو في غيرها.