لا اختلاف في أن الكفاءات التونسية في مختلف المجالات والاختصاصات العلمية خارج البلاد وفي الدول المتطورة بالذات، لها من الصّيت والسمعة المشرفة ما نفخر به جميعا، ونفتخر أكثر بهذا التفوق والتألق عندما يكون في خدمة الانسانية، ولعل من أجل وأسمى ما يمكن تقديمه وإضافته بالتأكيد، استعادة الأمل إثر يأس عشّش في قلب أمّ أو يكاد يدمّر عقل الأب.. وفرحة في عيون طفل بريء كان لا يستسيغ طعم الحياة لدى بعض من يولدون مشوّهين خلقيا بما يعرف اصطلاحا بالشفّة الأرنبية أو شقّ الحنك، وربّما كليهما في وجه طفل واحد. الدكتور سليم بوشوشة المختص في الجراحة الرأبية للفم والوجه والفكّين، أصيل مدينة بنزرت ونجل المرحوم الصادق بوشوشة، من أقدم الصيدلانيين بالجمهورية ويعتبر أحد أبناء تونس الفاعلين بالمهجر والمؤسّسين لهذا التوجه التطوعي بتكريس علاج مثل هؤلاء الأطفال وتعزيز رعايتهم.. وهو يقيم حاليا بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ويمارس أنشطته الخيرية ضمن فريق يضم أبرز وأهم الأساتذة المختصين في مجالهم من كافة أنحاء العالم تحت لواء المنظمة الدولية لشقّ الشفّة والحنك I.C.P.F (International Cleft Lip Platine Fondation) ذات الصيت العالمي والغايات النبيلة، وقد تأسّست في كيوتو باليابان يوم 23 أكتوبر 1997 لتهتم ضمن مزاياها وبعثاتها الخيرية بمعالجة هذا الشذوذ الخلقي وتمّ عقد أول مؤتمر لها في زوريخ سنة 2000، فيما التأم المؤتمر السادس مؤخرا في سيول بكوريا الجنوبية أيام 9 الى 12 جوان 2010، حاز في اختتامها السيد سليم بوشوشة شهادة تقدير لأفضل دراسة طبية بشأن الأطفال المصابين بفلْح الشفة العليا، شاركه فيها أربعة من الدكاترة ذوي جنسيات مختلفة، وهو ما يحسب علميا لتفوق الأدمغة التونسية، وما يهيئ بالتوازي لإمكانية انعقاد المؤتمر القادم بتونس بعد ان احتضنته عديد الدول منها الولاياتالمتحدةالامريكية سويسرا ألمانيا وهولندا... كما ظلت هذه المنظة في تدخلاتها الانسانية الطبية، أن لا تكون أعماله ذات دوافع دينية أو سياسية، ولا تنطوي أو تمثل عبءا ماليا على البلد المضيف، الى جانب احترام قوانينه ونظمه وعاداته فضلا عن ضرورة التعاون مع الاطباء المحليين في اجراء الجراحة التجميلية المتصلة بعدة اختصاصات أخرى متناغمة مع برامج التدخل العام، من ذلك مختصون اجتماعيون ونفسيون وتمريض... ضمانا لشمولية العلاج ونقل التكنولوجيا معا... ويقول الدكتور سليم بوشوشة انه سيقوم بتنسيق وتيسير الاجراءات لمثل هاته العمليات في بلادنا التي يجريها أعضاء منظمة ICPF برعاية منظمة ال«روتاري» الدولية عن طريق فرعها بتونس وضمن مشاريعها الانسانية الكبيرة أو الصغيرة لتحسين نوعية الحياة بالنسبة للملايين من الناس، وقد تكونت المبادرة من طرف «روتاري» في مستشفى سهلول الذي استقبل أكثر من مائة طفل من مختلف ولايات الجمهورية قصد متابعة الحالات التي خضعت سابقا الى تدخلات جراحية أو للقيام بفحوصات جديدة تمهيدا لاجراء العمليات العلاجية التي تتطلبها كل حالة بتكامل عناصرها ومتطلباتها واحتياجاتها. الشفة الارنبية وشق الحنك... يمكن التعريف بالحالة في اختصار شديد، بأنها سميت بالشفة الارنبية لأنها تكون مشقوقة، وهو ما يعرف في التراث العربي ب«الاشرم»، أما الذي يعاني من شق الحنك فيعرف بالاخنف لأن الصوت ينتقل من الغم الى الانف، وتحدث الشفة الارنبية وشق الحنك نتيجة فشل في النماء أثناء الفترة المبكرة من تكوين الجنين (الثلاثة اشهر الاولى)، ويؤديان معا أو أحدهما الى عيوب خلقية في نمو الفك العلوي والانف، وبالتالي المظهر العام مثلما يؤدي الى تغيرات واختلالات في وظائف المضغ والبلع، وأيضا الى مشكل في السمع والنطق والتغذية اضافة الى ما يسببه هذا العيب من تأثيرات نفسية وسلبية جدا على المصاب وعائلته ويحتاج العلاج الى برنامج كامل لتأهيل الطفل المصاب من قبل فريق طبي متكامل بمختلف الاختصاصات، وسنوات من المعالجة الخاصة من أجل اعادة الابتسامة اليهم. ما يعرف عن الدكتور بوشوشة، أنه بشوش جدا، تكاد لا تفارق الابتسامة محياه، يتميز بحبه ورعايته اللامحدودة للأطفال، وحماسه الفياض لعلاج مثل هاته الفئة منهم وهو يشغل كذلك منصب منسق شمال افريقيا لتلك المنظمة الدولية المهتمة بمتابعة أصحاب تلك التشوهات... وفي ذات السياق تجدر الاشارة بالمثل الى أن تونس تمتاز باحترافية أخصائييها في هذا المجال حيث كان الدكتور جوهر الصيادي المختص في معالجة الانف والحنجرة والاذنين، توصل الى ابتكار وانجاز طبي جديد وهام جدا، يتمثل في استخدام الليزر لمعالجة التشوهات الخلقية المرتبطة بالجيوب الخيشومية، وقد طبقها على بعض المرضى فنجحت كليا ولأول مرة في العالم.. ولا تزال تونس تفتخر بأبنائها وهم بالانتساب اليها يفتخرون.