مرّة أخرى تصنع فرقة إنانا للمسرح الراقص، الحدث، وكعادتها تصنع الفرجة، بعرض مسرحي راقص يروي قصّة الملكة ضيفة خاتون. عرض فرجوي تواصل ساعة من الزمن، ليلة أوّل أمس بالمسرح البلدي بالعاصمة، في اطار الدورة 28 لمهرجان المدينة بتونس. ومثلما يشير العنوان «الملكة ضيف خاتون»، فإن الفترة الزمنية التي يتحدث عنها العرض تعود الى النصف الاول من القرن السابع هجري الموافق للنصف الاول من القرن الثالث عشر ميلادي، لما كان الملك العادل شقيق صلاح الدين حاكم حلب. في تلك الفترة أنجبت زوجة بالقلعة، بنتا سمّاها «ضيفة»، بعد الفرحة بالمولود الجديد، يأتي مرسوم من السلطان صلاح الدين بنقل أخيه الملك العادل ليحكم مصر مكانه، وبتعيين ابنه (ابن صلاح الدين) الظاهر غازي حاكما لحلب كل هذه الاحداث، قدّمتها فرقة إنانا بأسلوب فنّي ممتع ورائع، فيه مراوحة بين الرقص والتعبير الجسماني والتمثيل المسرحي عبر تقمّص الشخصيات الرئيسية في العرض. الملكة ضيفة خاتون تتواصل الاحداث في هذا العمل الفني بزواج ملك حلب الظاهر غازي بابنة عمّه «ضيفة»، فيصبح إسمها «الملكة ضيفة خاتون»، هذه الزيجة، غيّرت أو أثّرت التأثير الايجابي في عمارة حلب وفي اعطاء الاهمية الكبرى للعلم والعلماء والفقهاء والشعراء، فالملك الظاهر غازي جدّد عمارة حلب وقوّى دعائهما وأسوارها وقلعتها، لكنه لم يكن متفرّدا بقراراته بل كان يعي الحكمة التي كانت تتمتع بها زوجته لذلك كان يستشيرها في ما يهم البلاد والعباد، فاقترحت عليه ان يرسل المحراب الحلبي الى بيت المقدس وهي التي كان في أحشائها جنين سوف يصبح الملك العزيز محمّد. الملكة ضيفة خاتون، نصحت زوجها الملك بعقد اتفاقيات تجارية مع امارات أوروبية وبخاصة «البندقية» وطالبت بمنع القتل واعطاء العلماء والفقهاء المكانة التي يستحقون. السهراوردي وابن العربي حبّ الملكة ضيفة خاتون للعلم والأدب والشعر، جسّد كأفضل ما يكون في عرض فرقة «إنانا» السورية، فاستحضرت شخصية الملكة ضيفة خاتون، شهيد حلب «السهراوردي»، وأنشدت لزوجها الملك موشحا للسهراوردي الذي يقول مطلعه: «أبدا تحنّ إليكم الأرواح ... ووصا لكم ريحانهم والرّاح» ثم نصحت الملكة ضيفة خاتون، زوجها، بتخصيص يوم للعلماء والفقهاء وأرباب العلم، فسيتقبل الملك الظاهر غازي «شيخ الاشواق ومترجم آيات العشاق»، الشيخ الاكبر محيي الدين بن عربي ويكرّمه ويعطيه المكانة التي يستحق. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فاختطفت يد المنيّة، الملك الظاهر غازي، لتصبح الملكة ضيفة خاتون، ملكة حلب من بعده، وبعد الحداد، باشرت الملكة مهامها بنشر الازدهار فأمرت بالتخفيض من الضرائب وقامت بتنشيط قطاعي التجارة والصناعة. وأمرت بمدّ قساطل المياه لأن الماء رمز الحياة وجّهت اهتمامها نحو بناء المدارس والخانقاهات فبنت جامعة الفردوس الكبرى، لكنها في المقابل اهتمت بجيوش حلب وخاضت معارك مظفرة ضد الاعداء. المرأة والعلم والفن هذا العمل الفني، كما أراده صاحبه، مدير فرقة إنانا، والمخرج «جهاد مفلح»، يبرز دور المرأة العربية، الحضاري، وقدرتها الادارية والعلمية والاجتماعية بالتوازي مع واجباتها كزوجة صالحة وأم مثالية كما أن هذا العمل، لا يخلو من التلميح لما يعيشه العرب اليوم وما الاغاني والموشّحات والحوار أحيانا الا دليل على ذلك فسقوط بغداد في آخر العرض وحرق مكتبها من قبل «هولاكو» ليس بعيدا عما حصل بالعراق في السنوات القليلة الماضية، وما قول الملكة ضيفة خاتون «لنعيد الامجاد الكبرى، إذا كنا نريد أن نبقى» الا نداء لعرب اليوم حتى يستفيقوا من سباتهم العميق. والتركيز على العلم والمرأة، بأسلوب فني متميّز وكوليغرافيا رائعة، إنما تأكيد دور المرأة والعلم والثقافة عموما، في تقدم الشعوب... عرض «الملكة ضيفة خاتون»، هو وقفة تأمل فرجوية لما ينتظر العرب والعروبة في المستقبل على أمل ان يستقيظوا من سبات طال أكثر مما يجب ان يطول.