أثار دفن المتجنسين من التونسيين في المقابر الاسلامية حركة شعبية أوسع وأعمق مما أثاره انعقاد المؤتمر الأفخارستي بقرطاج أو الاحتفال بخمسينية بسط الحماية، وكانت هذه الحركة، وقد تجاوزت إطار مدينة تونس، تلقائية أول الأمر ثم احتضنها في ما بعد الشق المتصلّب في الحركة الوطنية وقد أدرك بوضوح ما لهذا السلاح من الأهمية في كل عمل سياسي. وكانت مسألة دفن المتجنسين من التونسيين في المقابر الاسلامية قد انطلقت منذ الحملة التي قام بها الوطنيون التونسيون ضد قانون 20 ديسمبر 1923 الذي منح التونسيين بعض التسهيلات للحصول على الجنسية الفرنسية. وبالاعتماد على النصوص القرآنية، أقرّ الوطنيون التونسيون إذّاك أن من تخلى عن جنسيته تخلّى في الآن نفسه عن دينه، وأنّ المتجنس يعتبر مرتدّا ويجب عزله عن المجتمع الاسلامي فلا يجب الاقتراب منه أو إقامة علاقات معه ولا يمكنه أن يرث من مسلم أو ينقل إليه إرثا وأن لا تصلّى عليه صلاة الجنازة وأن لا يدفن في مقابر المسلمين. ولم تطرح معارضة السكان لدفن المتجنسين من التونسيين في المقابر الاسلامية قبل 1930، غير أن أزمة الثلاثينات الاقتصادية وآثارها الاجتماعية وتحدي المشاعر الوطنية أدى الى إثارة المسألة بحدة وتفجّر الوضع وشنت الصحف الوطنية حملة عنيفة على المتجنسين عارضة على صفحاتها فتوى الشيخ الزنكلاوي الأستاذ بجامع الأزهر التي أصدرها سنة 1924 والقائلة بخروج المتجنس عن الديانة الاسلامية، ودعم هذا الموقف بالفتوى التي أصدرها مفتي بنزرت الشيخ إدريس الشريف، هذا رغم تمكن سلطات الحماية من استصدار فتوى من شيخي الاسلام الحنفي والمالكي تقول بإمكانية حمل التونسيين للجنسية الفرنسية دون أن يعتبر ذلك تخليا عن العقيدة الاسلامية. إن التحركات العديدة التي عرفتها كثير من مدن الإيالة والمواجهات الدامية أحيانا وأمام ضغط القوى الوطنية المدعوم بقرار المؤتمر الاسلامي بالقدس الداعي الى تشديد النضال ضد التجنيس ومواجهة سياسة الإدماج، سيرغم فرنسا في النهاية على ارتكاب أخف الضررين بإعداد مقابر خاصة لدفن المتجنسين. عن دراسة: منعطف الثلاثينات أو نحو تجذر الحركة الوطنية