صدر أول أمس التقرير السنوي لعام 2011 عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، منذرا بانتهاء الهيمنة الغربية على العالم، وصعود قوى دولية جديدة. ورصد التقرير ما اعتبرها خارطة جديدة للتكتلات في العالم، في ظل المتغيرات الراهنة والتطورات السياسية والاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية وتحديدا منذ الغزو الامريكي لافغانستان (2001) واحتلال العراق لاحقا (2003). ويشير التقرير الى عدّة عوامل أدّت الى تراجع الهيمنة الامريكية وانحسار الدور الاوروبي، دون اهمال العوامل الاقتصادية المؤثرة وأبرزها الأزمة المالية الدولية وتداعياتها وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي. وقال معدّو التقرير: «إن الهيمنة الغربية على العالم «تصل الآن إلى نهايتها» بفعل صعود قوى دولية جديدة كالصين والهند والبرازيل، فيما ستكون منطقة الشرق الأوسط مسرحا لمواجهة مستقبلية بين الفاعلين الدوليين الأساسيين». وقال مدير المعهد تييري دو مونبريال أثناء مؤتمر صحفي عقده أمس في باريس لتقديم التقرير، إن كل المؤشرات التي رصدتها مؤسسته خلال عامي 2009 و2010 تؤكد ميلاد عالم متعدد الأقطاب بفعل انحسار نفوذ الولاياتالمتحدة والدول الغربية عموما، وظهور قوى عالمية جديدة كالصين والهند والبرازيل وتركيا وعودة روسيا كفاعل دولي أساسي. وأضاف دو مونبريال في مقال مطول استهل به التقرير الذي حمل عنوان «عالم ما بعد الهيمنة الأمريكية»، أن بداية القرن الحادي والعشرين تميزت بظهور تعدد وتباين غير مسبوق في مراكز القوة الدولية، مشيرا إلى أنه «منذ فجر الأزمنة الحديثة ظل الأوروبيون ثم من اعتدنا على تسميتهم بالغربيين، يديرون العالم.. هذه السيطرة كانت عبارة عن دورة تاريخية من خمسة قرون تصل الآن إلى نهايتها». ورجح التقرير أن تتصدر الصين القوى العالمية بعد عقدين من الآن، مشيرا إلى أن المقارنة بين أداء الاقتصادين الأمريكي والصيني تسمح بهذا «الاستنتاج»، إذ أن الصين على حد قول الباحث «تسجل منذ ثلاثين عاما نموا اقتصاديا مرتفعا يقدر سنويا ب10%، بينما تعرف الولاياتالمتحدة تفاقما مطردا في الدين العام ولا يتوقع أن تتجاوز نسبة النمو فيها 4%». ويعتقد الخبير الاستراتيجي أن انتقال الريادة العالمية إلى الصين من الولاياتالمتحدة قد لا يلحظ إلا بعد سنوات طويلة من حدوثه فعليا، مدللا على صحة رأيه بكون الولاياتالمتحدة نفسها بدأت في انتزاع الهيمنة العالمية من بريطانيا إبان حرب الانفصال الأمريكية (1865 1861)، «إلا أن هذا التداول بين القوتين لم يصبح جليا إلا بعد خمسين عاما من ذلك التاريخ». وقال دو مونبريال إن الحدث الذي كشف تفوق دور واشنطن على مكانة لندن هو تخفيض قيمة الجنيه الإسترليني بنسبة 40% يوم 21 سبتمبر 1931. مواجهات محتملة ولم يستبعد التقرير أن يتطور التنافس بين القوى الدولية القديمة والجديدة، إلى مواجهة في بعض بؤر التوتر العالمية وخاصة في شرق آسيا (كوريا وتايوان) وإقليم كشمير والشرق الأوسط. وفي هذا الصدد قال «حدسي يوحي بأن اختبارا كبيرا سيحدث في الشرق الأوسط عاجلا أم آجلا، لأن هذه المنطقة ملتقى الانفعالات والمصالح الملموسة التي تعطيها طابعا حيويا في أعين كل الممثلين الكبار». ويرى التقرير أن الولاياتالمتحدة فشلت في إحلال السلام بهذه المنطقة، كما أخفقت في إعادة تشكيل خريطتها السياسية، مؤكدا أن اجتياح العراق عام 2003 مثل في نفس الوقت «لحظة التوسع القصوى للقوة الأمريكية وإيذانا بانحطاطها. غياب الدور العربي وأبرز محررو التقرير غياب أي دور عربي في المنطقة التي اعتبروا أنها غدت ساحة للتنافس بين ثلاث قوى إقليمية غير عربية هي إسرائيل وتركيا وإيران، ورجحوا أن تتمكن طهران رغم الاعتراضات الغربية من الوصول إلى «العتبة النووية» التي عرّفها التقرير «بالقدرة على إنتاج أسلحة نووية فور اتخاذ قرار بذلك».