تتواصل هذه الأيّام انتخابات تجديد الهياكل القاعديّة للتجمّع الدستوري الديمقراطي بمشاركة ما يزيد عن المليونين وربع المليون من المنخرطين والمناضلين الذين سيُشاركون في مؤتمرات الشعب والجامعات الدستورية في تونس والخارج لمُحاسبة الهيئات السابقة وانتخاب هيئات جديدة للمرحلة المقبلة. وكانت مثل هذه المواعيد الانتخابية للحزب الحاكم وما تزال محطّ أنظار متابعي الشأن السياسي التونسي من حيث مكانة هذا الحزب ومنزلته تاريخيا وراهنا فهو حزب الاستقلال والحزب الذي كان له دور لافت ومحوري في بناء أسس الدولة التونسيّة الحديثة ولاحقا في التعهّد بصيانة وتطوير مسار التغيير الذي قادهُ الرئيس زين العابدين بن علي منذ سنة 1987. والجميع يعلم كيف أنّ الرئيس بن علي في مثل تلك اللحظة التاريخية الفارقة من حياة البلاد كانت أمامهُ عديد الخيارات ومنها تأسيس حزب جديد إلاّ أنّ الفطنة وحسن الاستشراف التي يمتلكها جعلتهُ يُراهن على الحزب الاشتراكي الدستوري الذي برغم كونه كان يُعاني في تلك الفترة من وقوعه في وضع حرج وعصيب أواخر الحكم البورقيبي، برغم ذلك فإنّ بن علي استأمن نفس ذلك الحزب على مسيرة التغيير والإصلاح وعهد له مواصلة الاضطلاع بالمهام الريادية والقيادية في البلاد. واليوم، وبعد ما يزيد عن 22 سنة من عمر التجمع الدستوري الديمقراطي فقد تغيّر الكثير في واقعه من حيث الامتداد الشعبي والجماهيري والقدرة على التعبئة وما تزال قيادته تحرصُ على أن يُواكب هذا الحزب التغيرات والمستجدات الحاصلة محليا واقليميا ودوليا وأن يستوعب مقتضيات واحتياجات الحاضر والمستقبل. وأكّد الديوان السياسي للتجمّع بمناسبة هذه الانتخابات الحزبية القاعدية الجديدة على أهميّة أن تكون هذه الانتخابات محطّة أخرى على درب تكريس التنافس النزيه وتنمية الديمقراطية الداخلية والارتقاء بالخطاب التجمعي إلى مستوى الرهانات المطلوبة مع التأكيد على عنصر مُحاسبة الهيئات المتخلية للشعب والجامعات والانتصار إلى تحميل المناضلين مسؤوليتهم في اختيار ممثليهم الأجدر والأكفأ لتحمّل المسؤولية. وبكل الاعتبارات فإنّ مثل هذا الموعد الحزبي له منزلتهُ على مستوى الحياة السياسية الوطنية وانتظارات المرحلة المقبلة، على اعتبار أنّ التجمّع وهو الحزب الحاكم والحزب الأغلبي يبقى المحرار الأساسي الّذي على ضوئه تُقاسُ درجة النماء والتطوير على مستوى سائر الأحزاب ومكونات المشهد السياسي. وكما قال ذلك رئيس الدولة فإنّ انجاح التعددية في بلادنا يحتاج إلى وجود حزب حاكم قوي ومعارضة قويّة بحيث يكون التجمع وسائر الأحزاب طرفا المعادلة في تنمية واقع الديمقراطية والارتقاء به إلى مرحلة أخرى أكثر تقدّما واحتراما للرأي المخالف وقبولا بالمشاركة الواسعة والايجابية وتحيّزا للمنافسة الشريفة والعادلة والانتصار للمصلحة الوطنية العليا دون سواها. وبهذه المقاييس فإنّ المعارضة نفسها معنية بما يدور في التجمّع وبما يجري هذه الأيام داخل مختلف هياكله ، لأنّ الحياة السياسية الوطنية تحتاج اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى إلى أحزاب معارضة منتشرة على نطاق واسع ومتوزّعة بين مختلف جهات الجمهوريّة، أحزاب تُنجز مؤتمرات قاعدية فعلية وتبني هياكل في المدن والقرى والأرياف، أحزاب موجودة فعلا على الميدان لها مقرات ولها مناضلون ولها مجهود في تطوير تجربة رائدة أتاحت الكثير من الامكانيات والهوامش للتعدّد والاختلاف والمشاركة الايجابيّة.