في عام 698 م قام القائد حسان بن النعمان ببناء مدينة تونس وأنشأ بها دار الصناعة وجامعا. ولئن كان عبد الله بن الحبحاب هو المؤسس الحقيقي لجامع الزيتونة المعمور في عام 732 أو عام 734 ميلادية، فلا أحد يتصور أن المسلمين ظلوا إلى ذلك التاريخ من دون جامع يلتقون في رحابه ويؤدون فيه شعائرهم الدينية. وأغلب الظن أن ابن الحبحاب إنما تولى ترميم مسجد ابن النعمان المذكور آنفا وتوسيعه دور حضاريوقام هذا الجامع عبر العصور بدور عظيم الأهمية على الصعيد العلمي والروحي والعسكري أيضا وهذا المعلم ذو بناء شامخ كان يشرف بواجهته الشرقية على البحر الذي كان في نهاية القرن التاسع عشر يصل الى الموقع الحالي لباب البحر. ومن أجل ذلك بنى ابن النعمان برجين للمراقبة بالركنين الشمالي الشرقي والجنوبي الشرقي يتيحان رصد تحركات الأعداء القادمين بحرا. وفي منتصف القرن التاسع شهدت مدينة تونس فترة ازدهار ونمو لم تعهدهما من قبل، فقرر أبو ابراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب اعادة بناء المسجد الأعظم. ثم واصل أخوه زيادة الله الثاني ما بدأه من عمل، لكنه توفي قبل اتمام البناء. وهذا ما يفسر نسبة هذا العمل الجبار إلى الخليفة العباسي المستنصر بالله وتذكر النقيشة التي تمدنا بتاريخ انتهاء الأشغال أن هذا الخليفة هو من أمر ببناء قبة المحراب. ثراء هندسي ويعتبر جامع الزيتونة من أثرى المعالم ببلاد الإسلام من حيث النقائش المنتشرة في جميع أنحائه، وهذه النقائش تشتمل على كامل مراحل تاريخ الزيتونة فالمنبر يعود تاريخه إلى عام 864 م. ويتألف هيكله من 44 لوحة مجمعة ومركبة بعضها مع بعض. أما قبة المحراب، فهي بمثابة تحفة فنية لأن عناصرها تشكل تطورا واضحا بالقياس إلى قبة جامع القيروان أما قبة البهو فهي تعد أجمل قباب البلاد التونسية جميعا، وهي تمتاز بفقرات العقود التي تتألف منها أقواس القبة كما أنها مزدوجة الألوان بين أحمر وأبيض وأغلب الظن أنها متأثرة بأسلوب بناء قبة قرطبة الشهيرة.