القرار الذي اتخذته بلدية العاصمة بغلق رياض الأطفال التابعة لها كان الى حد ما قرارا لا شعبيا قياسا لردود فعل عدد هام من الأولياء الذين تعودوا على ترسيم أبنائهم بهذه المؤسسات بمبالغ معقولة جدا (35د/شهريا) غير أن هذا الاجراء على طابعه «اللاشعبي» يعتبر قرارا جريئا ومقبولا فالبلديات الغارقة في استخلاص الجباية ومشتتة الجهد بين النظافة والصيانة ومقاومة البناء الفوضوي ومستلزمات ادارة الحالة المدنية إلخ... غير قادرة فعليا وعمليا وتربويا أيضا على ضمان نجاح ادارة رياض الأطفال ثم ان هذه المؤسسات ما قبل المدرسية تحتاج الى رفع شعار الجودة والربح لتضمن ليس فقط تغطية تكاليفها بل تحقيق الربح لمزيد الاستثمار ماديا في المعرفة والتجديد البيداغوجي، وهو أمر لا تقدر عليه البلديات بل ويتنافى مع طبيعتها المثقلة بأساليب التصرف العمومي. وضعية رياض الأطفال هذه تشبه في المنشأ الفعلي والمآل الافتراضي وضعية نزل الدولة التي فوتت فيها لرجال الأعمال والاطارات السياحية الشابة وذلك في سنوات السبعينات والثمانينات وها انها تمثل اليوم الاعمدة الحقيقية للسياحة التونسية. هذا القرار البلدي كان جريئا نقيصته الوحيدة أنه لم يكن مرفقا بقرار مماثل يقضي بتسويغ هذه المؤسسات لفائدة الخواص وكم من خريجي جامعاتنا في حاجة الى فرص مثل هذه لبعث مشاريعهم وهو ما نتمناه وما نأمله... والأمل كل الأمل ألا تقوم البلدية بتغيير صبغة رياض الأطفال هذه فنراها في الاشهر القادمة «مطاعم» أو مؤسسات ترفيهية أو حتى «دبوات» لمن يدفع أكثر...! ان ادارة رياض الأطفال من طرف البلدية ليست مكسبا حقيقيا (لأنها لم تثبت أي نوع من أنواع الامتياز) ولكن المكسب الحقيقي هو أن تبقى تلك البناءات في خدمة «الطفولة». قد يكون قرار البلدية «لا شعبيا» ولكن من الشعبوية أيضا الاعتقاد بأن البلدية قادرة على تأمين تدريس الأطفال.