بقلم: د. محمد العادل (مدير المعهد التركي العربي للدراسات بأنقرة) أكدت دراسات وتقارير سياسية نشرت مؤخرا في أنقرة أن القلق الإسرائيلي والأوروبي والأمريكي يتعاظم بسبب تنامي التعاون بين تركيا والبلدان العربية، وأشارت التقارير إلى أن مؤسسات اللوبي الصهيوني في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدد من دول الإتحاد الأوروبي قد اعتمدت مجموعات بحثية متخصصة لمتابعة واقع ومستقبل العلاقات التركية العربية على خلفية أن هذا التوجه التركي الجديد نحو العرب يشكّل خطرا مباشرا على أمن إسرائيل ومستقبلها... الجانب الإسرائيلي لا يخفي قلقه الكبير من أن يتطور التعاون التركي العربي الحالي إلى شراكة استراتيجية بين العرب والأتراك، هذه الشراكة التي قد تساهم في تغيير المعادلات السياسية في المنطقة وتزيد من عزلة إسرائيل وتضييق الخناق عليها. التقارير أشارت أيضا إلى أن اللوبي الصهيوني يتحرّك على جبهات مختلفة لعرقلة التعاون العربي التركي، فهو يعمل على تشويه صورة تركيا في الإعلام الغربي وتصوير حكومة العدالة و التنمية دوما على أنها حكومة تيار إسلامي تبطن العداء لإسرائيل والغرب وتروج إسرائيل أيضا لما يسمى ب«العثمانية الجديدة» بهدف إخافة العرب ممّا تعتبره الدوائر الصهيونية ب«هيمنة» تركية قادمة. و تؤكد التقارير أن اللوبي الصهيوني يعمل على تحقيق أهدافه في هذا الإتجاه من خلال استخدامه لأقلام ومؤسسات إعلامية ومدنية عربية وتركية للتشويش على مسيرة العلاقات العربية التركية وزرع بذور الفتنة وإشاعة حالة من أزمة الثقة بين الطرفين لقطع الطريق أمام تنامي الدور الاقليمي لتركيا حيث أن إسرائيل لا تخفي قلقها من مبدإ التفاعل الإيجابي مع قضايا المنطقة الذي تنتهجه السياسة الخارجية التركية. الدراسات التركية كشفت عن مساع حثيثة للوبي الصهيوني ومؤسساته الى زعزعة أمن تركيا من الداخل بهدف إشغال الحكومة التركية في قضايا جانبية وعرقلة حركة التنمية الداخلية، واستندت الدراسة إلى تقارير استخباراتية تركية تؤكد تورّط إسرائيل في تسليح حزب العمال الكردستاني وتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي لحركة عبد الله أوجلان لضرب المصالح التركية. المجموعات البحثية التي شكلها اللوبي الصهيوني لمتابعة واقع العلاقات العربية التركية ومستقبلها ترصد ما ينشر وما تتناوله الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة بالتعاون العربي التركي لتعمل من خلال هذا الرصد على توجيه القرار السياسي في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي ليتبنى الجانب الأمريكي والأوروبي مواقف مساندة للرؤية الإسرائيلية. الولاياتالمتحدةالأمريكية تتعاطى مع ملف التعاون العربي التركي بحذر شديد، فواشنطن لا ترغب في إغضاب أنقرة و لا تعمل على عرقلة الدور الاقليمي لتركيا بل تسعى الى توجيهه و استثماره بما يخدم مصالحها في المنطقة لكنها في الوقت نفسه تضع في كل حساباتها السياسية أولوية أمن إسرائيل ومسألة التوازنات الاقليمية. الموقف الأوروبي من تنامي التعاون العربي التركي لا توجهه الهواجس الأمنية كما هو الحال مع إسرائيل، لكن القلق الأوروبي يتمحور في تخلّص تركيا تدريجيا من تبعيتها لأوروبا التي صاغ الاتحاد الاوروبي على أساسها نهجه في التعامل مع أنقرة، غير أن الواقع السياسي في تركيا تغيّر بشكل ملفت الى درجة أن الطرفين الأمريكي والأوروبي لم يستوعبا حتى الآن عمق التحولات التركية. ولاشك أن الإدارة الأمريكية وإسرائيل والاتحاد الأوروبي قلقون جدا من تنامي الدور الاقليمي لتركيا في المنطقة العربية والاسلامية والافريقية الى درجة أن الأطراف الثلاثة تعمل الآن على تسريع ملف انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي بهدف قص أجنحة تركيا واحتوائها واحتواء دورها تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. إن قراءة واعية لهذا الواقع تدعو القرار السياسي في الجانبين و كذلك النخب العربية و التركية وهيئاتهم العلمية والاعلامية والمدنية والثقافية وغيرها إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية تجاه أوطانهم و منطقتهم من خلال التقدم خطوات أكبر في اتجاه تعزيز تشابك المصالح وبناء الشراكة في مختلف المجالات بين العرب والأتراك، فالحقيقة التي عرضتها الدراسات والتقارير التركية تؤكد أن التعاون بين العرب وتركيا مستهدف من قبل العديد من الدوائر... وواجب الحكومات والنخب العربية والتركية العمل على تحصين واقع العلاقات العربية التركية وتأمين مستقبلها بما يستجيب لطموحات شعوبنا ويحقق الأمن والإستقرار لأوطاننا.