مدير المعهد التركي العربي للدراسات بأنقرة تبدوالأزمة القائمة بين أنقرةوواشنطن متعددة الجوانب والأسباب غير أن محورها الأساسي هوالملف النووي الإيراني حيث تعتقد الإدارة الأمريكية أن (حليفتها) تركيا يجب أن تساند المواقف الأمريكية لاسيما حزمة العقوبات التي تجتهد الادارة الأمريكية في فرضها على إيران عبر آليات متعددة منها الأممالمتحدة. ولعل التصريحات التي نقلتها صحيفة بريطانية مؤخرا عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى والتي حملت تحذيرات واضحة لتركيا بشأن الملف النووي الإيراني بل تضمّنت تهديدات أمريكية بعدم تزويد الجيش التركي بما يطلبه من أسلحة أمريكية ، وبرغم أن الإدارة الأمريكية قد نفت صحة تلك التصريحات إلا أن هذا الأسلوب الأمريكي في التحذير والتهديد قد أصبح معروفا وتتعامل معه أنقرة بجدية كاملة وعقلانية. حركة الديبلوماسية بين أنقرةوواشنطن لا تزال مستمرة فالإدارة الأمريكية تواصل مساعيها لضم تركيا إلى صفها لإحكام الخناق على إيران ربما تمهيدا لعمل عسكري عقابي لطهران تصرّ إدارة الرئيس الأمريكي أوباما على أن تكون أنقرة طرفا فيه . أما أنقرة فهي لا تزال أيضا تصر على مواقفها وتعمل على إقناع الولاياتالمتحدة بوجهة نظرها ومنطلقاتها في التعاطي مع جارتها إيران عموما وملفها النووي خصوصا ، فالإدارة التركية تنظر للملف النووي الإيراني من زاوية مختلفة لأن العلاقة بين تركيا وإيران اتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى شراكة استراتيجية حقيقية تفرضها بالدرجة الأولى المتطلبات الأمنية للطرفين بالنظر إلى الحدود المشتركة بين الجانبين وتداعيات أزمة العراق على أمن البلدين والوضع المتأزم في الشرق الأوسط. وإذا أضفنا إلى ذلك حجم التبادل التجاري الذي يناهز ال10 مليارات دولار بين الجارتين تركيا وإيران وإلغاء التأشيرة بين الجانبين وما خلّفه من نشاط تجاري متنام لاسيما حركة التجارة الحدودية بين الطرفين والإغراءات التي تقدمها طهران إلى أنقرة لتسويق قسم من النفط الإيراني الخام عبر تركيا في إطار شراكة بين الجانبين تجعل من تركيا تحقق جزءا من استراتيجيتها لتصبح معبرا حقيقيا للطاقة القادمة من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى نحو الأسواق الأوروبية. إنّ تشابك المصالح الأمنية أولا ثم الاقتصادية ثانيا دفعا أنقرة إلى مراجعة نهج سياستها التقليدية تجاه إيران حيث كان نهج الحكومات التركية السابقة تجاه إيران يتناغم مع الخيارات الأمريكية في المنطقة رغم تعارضه مع المصالح التركية في غالب الأحيان ، لكن أنقرة اليوم ترى أن مستوى شراكتها مع جارتها إيران ضرورة إستراتيجية تقتضيها مصلحة الأمن القومي التركي أولا وأخيرا . تعالت أصوات سياسية وإعلامية تركية كثيرة في الآونة الأخيرة ترد على تحذيرات الإدارة الأمريكية لحكومة رجب طيب أردوغان لتوضح لواشنطن بأنّ تركيا ليست ملزمة بان تكون شرطيا للمصالح الأمريكية في المنطقة وأنّ أنقرة من حقّها أن ترسم سياساتها وفق متطلبات أمنها القومي ومصالحها وليس بالضرورة وفق الخيارات الأمريكية تجاه إيران خصوصا ومنطقة الشرق الأوسط عموما. الجانب التركي لا يعتقد أن الأزمة بين أنقرةوواشنطن سببها فقط عدم رغبة تركيا في أن تكون طرفا في حزمة العقوبات الأمريكية ضد جارتها إيران ، بل إن الخبراء الأتراك يعتقدون بأن أسباب الأزمة متعددة يشعل فتيلها اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب المواقف التركية ضد السياسات العدوانية الإسرائيلية بالإضافة إلى القلق الأمريكي والإسرائيلي من تنامي الدور التركي إقليميا والتقدم البارز في علاقات التعاون بين تركيا والبلدان العربية والإسلامية. ولعل ما يزعج الإدارة الأمريكية والإسرائيلية توقيع تركيا مؤخرا اتفاقا استراتيجيا مع روسيا لإقامة مفاعل نووي في تركيا بقيمة 20 مليار دولار وهو توجه لحكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لتنويع الشركاء السياسيين والاقتصاديين والعسكريين والتخلي تدريجيا عن اعتماد تركيا الكلّي على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية من خلال تفعيل أنقرة لإستراتيجية صناعاتها الدفاعية عبر تنويع مصادرها العسكرية وتعزيز تعاونها مع أطراف دولية مختلفة. الإدارة الأمريكية بدأت حملة ديبلوماسية وإعلامية منظمة خلال الآونة الأخيرة ليس لإرسال تحذيرات غير مباشرة لأنقرة فقط بل لتحذير عدد من العواصم العربية ممّا تصفه واشنطن ب ( تحالف تركي إيراني مرتقب يهدد المصالح العربية !!! ) وهي تبدوتفسيرات أمريكية مغرضة تعكس عدم فهم واشنطن لحقيقة نهج السياسة التركية التي تفصل في علاقاتها بإيران بين متطلبات الأمن القومي التركي وتحفظات أنقرة على نهج السياسة الإيرانية تجاه دول المنطقة أوتعاطيها مع ملفها النووي وسط هذه الأجواء الغائمة في سماء العلاقات التركية الأمريكية سربت وسائل إعلام غربية تقارير وتحليلات يبدو أنها مقصودة تشير إلى خيار أمريكي للإطاحة بحكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بسبب عدم انصياع حكومته للخيارات الأمريكية في المنطقة والخشية من تعاظم الدور التركي اقليميا ...