شهدت العلاقات التركية الأمريكية خلال الشهرين الأخيرين حالة من الانتعاشة وعودة الدفء عقب مخلّفات الأزمة الناشبة بين تركيا واسرائيل وتداعياتها، لكن أزمة جديدة تلوح في أفق العلاقات بين أنقرةوواشنطن بسبب التردد التركي مؤخرا في القبول بالطلب الأمريكي لنشر الدرع الصاروخي على أراضيها. تركيا ترى أن نشر هذا الدرع الصاروخي على أراضيها سيشكل تهديدا مباشرا لأمن دول مجاورة لها لا سيما ايران وسوريا وروسيا وبالتالي تعتبر ذلك خطرا على أمن تركيا ومصالحها التي تجمعها شراكات استراتيجية مع هذه الدول . الادارة الأمريكية حاولت من جانبها تسويق مشروع نشر الدرع الصاروخي قبل أشهر للمسؤولين الأتراك في اطار التعاون الثنائي وهو ما رفضته أنقرة بشدة وطالبت أن تناقش هذا العرض من خلال قنوات حلف «الناتو» لرغبتها في وضع شروطها في حال قبولها بنشر الدرع الصاروخي على أراضيها. الادارة الأمريكية تعمل على ممارسة ضغوطها على أنقرة عبر أدوات سياسية واعلامية محلية ودولية لكن أنقرة تضع في المقابل شروطها للقبول بنشر الدرع الصاروخي على أراضيها وتطالب بضمانات مختلف الدول الأعضاء في حلف «الناتو» حتّى لا يستخدم هذا الدرع الصاروخي عامل تهديد أو استهداف لأمن البلدان المجاورة لتركيا. تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة واتهامه الصريح للادارة الأمريكية بدعم ارهاب الدولة الذي تقوم به اسرائيل يشكّل رسالة الى واشنطن تشير فيها أنقرة الى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تطالب أصدقاءها بالتضحية من أجلها غير أنها لا تقوم بالحد الأدنى لارضاء أصدقائها وهذا يعني أن الادارة الأمريكية تضع أولوية أمن اسرائيل على رأس مصالحها دون مراعاة لمصالح بقية الدول في المنطقة لا شكّ أن أنقرة سعت خلال الفترة الأخيرة الى التوجه الى الولاياتالمتحدةالأمريكية وتنشيط حركتها الدبلوماسية بهدف احتواء تأثير اللوبي اليهودي على الرؤية الأمريكية من جهة والعمل على كسب مساندة واشنطن في مساعي أنقرة للتوصل الى حل سياسي وسلمي للقضية الكردية في تركيا، وبرغم هذا التوجه التركي نحو الادارة الأمريكية الا أن الخبراء الأتراك يعتقدون بأن أنقرة لم تجد المساندة المطلوبة من الجانب الأمريكي التحرك الأمريكي (ربما يسمّيه البعض الانفتاح الأمريكي) نحو تركيا والمنطقة يرتبط دوما بمصالح أمريكية محددة لا تراعي في غالب الأحيان متطلبات أمن دول وشعوب المنطقة، فالتوجه الأمريكي في الأشهر الأخيرة ركّز على رغبة واشنطن في ضمان مساعدة الدول المجاورة للعراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية وما قد يخلفه من تداعيات أمنية ويبدو أن الرؤية الأمريكية تسعى أيضا الى إقامة حد أدنى من التوازن داخل العراق بين النفوذ الايراني الشيعي وبقية الأطراف من الدول السنية المجاورة بعد أن عجزت واشنطن عن احتواء تنامي الحضور الايراني داخل العراق والمنطقة. و لا شك أن المساعي الأمريكية لنشر الدرع الصاروخي في الأراضي التركي يهدف بالدرجة الأولى الى قطع الطريق أمام الشراكات التركية التي حققتها أنقرة مع روسياوايران وسوريا وبقية الدول العربية أيضا، فواشنطن ومن ورائها العديد من الدول الأوروبية في حلف «الناتو» تحرص على ابقاء تركيا مجرد منطقة عبور الى الشرق الأوسط وجسر لتمرير مصالحهم دون وضع أي اعتبار لمصالح تركيا ودول المنطقة وهو ما ترفضه أنقرة بشدة وتجتهد في وضع شروطها بما يتوافق ومتطلبات أمنها القومي وما يضمن عدم تهديد أمن ومصالح الدول المجاورة لها بأي شكل من الأشكال. الادارة الأمريكية تعتقد أن الشراكة التركية الروسية المتنامية في الفترة الأخيرة أصبحت تشكل تهديدا بارزا لمصالحها ونفوذها في منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى، وفي الاطار نفسه تعتبر واشنطن تنامي علاقات تركيا مع ايران ومختلف الدول العربية يعرقل الخيارات الأمريكية في المنطقة التي ترسمها دائما بناء على أولويات أمن اسرائيل والتمكين لها في المنطقة. تبدو أنقرة قلقة من هذا الوضع لأنها لا ترغب في اغضاب واشنطن لكنها في الوقت نفسه لا ترغب بأي حال في خسارة شراكاتها مع مختلف الدول المجاورة لها لا سيما ايرانوروسيا والدول العربية بسبب أولوياتها الأمنية وحاجتها الملحة للنفط والغاز وحرصها الكبير على تعزيز دورها الاقليمي الايجابي في المنطقة.