الوسلاتية .. الإحتفاظ بشخص أضرم النار في أشجار غابية    مونديال كرة اليد الشاطئية بالحمامات...المنتخب الوطني في الدور الرئيسي    الليلة الترجي في مواجهة لوس أنجلوس .. لقاء الإنقاذ    انطلقت أمس... 33 ألف مترشّح لمناظرة «النوفيام»    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    متورّطون في تجارة المخدرات ...أسرار الصندوق الأسود ل «مشاهير»    جامعة كرة القدم تصدر هذا البلاغ لفائدة الفرق المعنية بالمشاركة في الكؤوس الإفريقية    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    مع الشروق : تُونس واستشراف تداعيات الحرْب..    في قلالة بجزيرة جربة مازالت النساء يتجملن "بالحولي"    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    عاجل: انقطاع في توزيع الماء بمناطق من ولاية سوسة: التفاصيل    راج أن السبب لدغة حشرة: فتح بحث تحقيقي في وفاة فتاة في جندوبة    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    عاجل/ حصيلة أوّلية: 76 شهيدا في غزّة منذ فجر اليوم الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    صابر الرباعي في افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون وكريم الثليبي في الاختتام وتنظيم معرض الاسبو للتكنولوجيا وندوات حوارية بالحمامات    الدولار يتخطّى حاجز 3 دنانير والدينار التونسي يواصل الصمود    ديوان التونسيين بالخارج يفتح باب التسجيل في المصيف الخاص بأبناء التونسيين بالخارج    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    التقلّبات الجوية: توصيات هامّة لمستعملي الطريق.. #خبر_عاجل    غرق عائلة في شاطئ المهدية: شاهد عيان يروي التفاصيل.. #خبر_عاجل    بوتين وشي: لا تسوية في الشرق الأوسط بالقوة وإدانة شديدة لتصرفات إسرائيل    عاجل : الخطوط الجوية السورية تعلن عن إجراءات مهمة    عاجل/ الخطوط البريطانية تُلغي جميع الرحلات الجوية الى اسرائيل حتى شهر نوفمبر    نُقل إلى المستشفى.. ريال مدريد يعلن تطورات حالة مبابي    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    بطولة برلين للتنس (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور نصف النهائي    المنافسات الافريقية للأندية : الكاف تضبط تواريخ مباريات موسم 2025-2026    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وزارة التجارة: شركات إلكترونية في تونس تخرق القانون.. والمستهلك هو الضحية    المنستير: المطالبة بايجاد حل للوضعية البيئية لشاطئ قصيبة المديوني    تحذير للسائقين.. مفاتيح سيارتك أخطر مما تعتقد: بؤرة خفية للجراثيم!    عاجل/ الإطاحة بشبكة تستقطب القصّر عبر "تيك توك" وتقدّمهم للأجانب    الفيفا يوقف لاعبين من بوكا جونيورز الارجنتيني لأربع مباريات في كأس العالم للأندية    أزمة لقاحات السل في تونس: معهد باستور يكشف الأسباب ويُحذّر    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    تونس: مواطنونا في إيران بخير والسفارة تتابع الوضع عن قرب    بالفيديو: أمطار غزيرة في منزل بورقيبة بولاية بنزرت صباح اليوم الخميس    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    قافلة "الصمود" تصل الى الأراضي التونسية    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    قيس سعيد: يجب إعادة هيكلة عدد من المؤسّسات التي لا طائل من وجودها    عاجل: الإعلان الرسمي عن قائمة المترشحين لهيئة النادي الإفريقي    رئيس الجمهورية يشدّد على ثوابت الدبلوماسية التونسية في استقلال قرار الدّولة وتنويع شراكاتها الاستراتيجية    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الداخلية وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المُكلّف بالأمن الوطني    بلومبيرغ: واشنطن تستعد لاحتمال توجيه ضربة لإيران خلال أيام    تشكيلة العين الإماراتي ضد يوفنتوس الإيطالي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    الإعلاء    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديقة بلا سياج: سيّد السينما المرحة
نشر في الشروق يوم 28 - 09 - 2010

ليس في وسع من يزعم مثلي الانتساب إلى عشّاق السينما أن يغفل عن رحيل كلود شابرول.. هذا المخرج الأليف المختلف الذي ترك رصيدًا هائلاً يتجاور فيه الجيّد والعاديّ بشكل محيّر، حتى أنّي لم أحسب يومًا أنّي سأضيف عددا من أفلامه إلى تلك السينماتيك الشخصيّة التي يكوّنها كلّ منّا لنفسه، مختزنًا فيها الصور التي تؤثّث الذاكرة وتشحن المخيّلة.
ترك كلود شابرول أكثر من ستّين عملاً، بعضها أسّس للموجة الجديدة مثل «سيرج الجميل» و«أبناء العمّ»، وأغلبها تحرّر من إسار تلك الموجة. إلاّ أنّه لم يكفّ في نظري عن البحث والمغامرة، حتى في الأعمال المخصّصة للتلفزيون والمستلهمة من نصوص كبار الكتّاب مثل غوته وإدغار بو وفلوبير، وحتى في بعض الأعمال التي عدّها هو نفسه «ضعيفة» معدّلاً ذلك بالقول إنّه «ارتكبها عن سبق إضمار»! تمامًا كما هو الشأن مع عدد من الأعمال التي اعتبرها النقّاد «تجاريّة»! وهي التهمة التي وجّهت أيضًا إلى عبقريّ مثل هيتشكوك!
لم يلق شابرول بالاً إلى منتقديه. وشيئًا فشيئًا اكتشف عشّاق السينما أنّهم أمام مبدع حقيقيّ.. عرف في أفضل أعماله كيف يجعل من زاوية نظره الشخصيّة وجهة نظر جماليّة نقديّة فاحصة، تتجاوز سطح الأشياء وتطرح الأسئلة المكبوتة وتكشف عمًا خلف الواجهة البورجوازيّة البرّاقة.. دون الوقوع في الفخاخ التي وقع فيها الكثير من زملائه: الاستعراض، أو الوعظ، أو الرغبة في كسب رضا النخبة الثقافيّة أو السياسيّة، أو البحث عن النجاح الجماهيريّ عن طريق دغدغة الغرائز..
في أفلام كلود شابرول الكثير من الشغف بالحياة المباشرة اليوميّة في ما تتيحه من أكل وشرب وجدّ ولعب وضحك وألم وحلم وصداقة وحبّ.. لكن فيها أيضًا الكثير من الشغف بالسينما وبالممثّلين.. ورغبة في اكتشاف الذات المبدعة من خلال مساءلة تضاريس الطبيعة البشريّة..
من ثمّ اهتمامه بالجريمة اهتمامًا كدتُ أعتبره باثولوجيًّا لو لا أنّنا أمام سينما تمكر بوصفات التحليل النفسيّ.. ومن ثمّ تصويره للمرأة لعبةً لاعبة، كدتُ أقول ضحيّة منتصرة، لولا أنّ شخصيّاته على النقيض من كلّ صورة نمطيّة.
ومن ثمّ أيضًا تناوله للسياسة.. وقد قيل كلام كثير عند عرض فيلم «نشوة السلطة» سنة 2006 على مقربة من قضيّة «ELF».. لكنّه ألحّ على أنّ فيلمه ليس سياسيًّا بقدر ما هو رصد لحماقة التسلّط السياسيّ.. مضيفًا أنّ المعالجة السينمائيّة لقضايا مثل قضيّة «ELF» أمر غير ممكن في فرنسا إلاّ بعد مرور ثلاثين سنة.. إلاّ أنّ من الممكن التعرّض إلى جوهر هذه القضايا وإلى الميكانيزمات التي تجعلها ممكنة هي ومثيلاتها، فلا يغيب الواقع ولا تخسر السينما.
أستعرضُ هذه الخواطر وأنا بين يدي رحيل الرجل، محاولاً أن أخلُص إلى أسباب إعجابي بتجربته.. أسباب أكثرها خفيّ.. قد يكمن بعضها في صورة أو في لقطة.. وقد يكمن بعضها في تلك الخيمياء التي تحدث لحظة المشاهدة، بيني وبين الفيلم.. أمّا الظاهر من هذه الأسباب فلعلّي ألخّصه في الصورة التي تكوّنت لديّ عنه، من خلال أفلام معيّنة، أصبحت أفلامي.
هو أحد مؤسّسي الموجة الجديدة، إلاّ أنّه لم يقع في نرجسيّة المؤسّس.. أعني أنّه ظلّ وفيّا لروح المغامرة على مستوى الكتابة والتصوير والتركيب وبناء الشخصيّات، لكنّه لم يحوّل تلك الروح إلى مجموعة من القوالب، بل استفاد منها، وعرف كيف يُخرج أفلامًا «مقروءة»، غير مملّة ولا مبهمة.
وهو مؤلّف سينمائيّ، إلاّ أنّه لم يقع في فخاخ «سينما المؤلّف» التي تحوّلت لدى البعض إلى شعار طنّان، مضمونه: هلوسات الأنا المتضخّمة، المتمركزة على ذاتها باعتبارها محور العالم، المقتصرة في خطابها الفنيّ على تحويل أمراضها الشخصيّة إلى أمراض جماعيّة!
وهو إلى ذلك سينمائيّ مثقّف، إلاّ أنّه عرف في عدد كبير من أفلامه، كيف يجعل الممارسة مصدرًا للتنظير وليس العكس، وكيف يوظّف ثقافته بعيدًا عن النخبويّة، وكيف يتصالح مع السينما الشعبيّة بعيدًا عن الشعبويّة.
وهو ديونيزوسيّ في حياته وفي أفلامه، خاصّة تلك الناجحة جماهيريًّا ونقديًّا لتميّزها بمزيج نادر من عمق الفكر وخفّة الطرح وسخرية النبرة.. وهو من هذه الناحية ليس بعيدًا عن نيتشة و«معرفته المرحة».. ممّا يسمح لي بالزعم أنّه عرف كيف يصنع «سينما مرحة»، مختلفة عن السينما العصابيّة الهستيريّة الرائجة هنا وهناك. ولعلّ في ذلك ما يكفي في نظري، كي تكون تجربته جديرة بالإعجاب والاحترام والاستلهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.