عادة جديدة بدأت تفرض نفسها على ليالينا الصيفية اسمها الاستنجاد بالأنهج والأزقة، وتحويلها إلى قاعات مفتوحة لإقامة الأعراس، وحفلات الختان. ففي الليلة الموعودة تنصب الكراسي بالعشرات أمام المنزل، ويتعذر المرور على السيارات والدراجات بأنواعها باستثناء القادمين من كل حدب وصوب لتقاسم الفرحة، والزغاريد، والرقص مع أهل الحفل إلى ساعة متأخرة من الليل (الثالثة صباحا أحيانا). ولأننا مجتمع متضامن، ومستقر، وآمن تمر هذه الأعراس المقامة في الهواء الطلق في هدوء، ونادرا ما تحدث مشكلة قد تعكر صفو الحاضرين باعتبار رغبة الجميع (أصحاب الحفل والمدعويين) في انجاح السهرة العائلية مهما كانت الظروف. **أسباب ومبررات ورغم تأثير الضجيج، وطول السهر يضطر الكثيرون إلى الانخراط طوعا أو كرها في الفرح الجماعي لأنه وقتي ومحدود في الزمان والمكان ومن غير المعقول المطالبة بتطبيق القانون على أشخاص دفعتهم الظروف (ضيق المكان أو تواضع الامكانيات) إلى استعمال الطريق العام لاقامة حفل ختان أو عرس يمر بسلام دائما. ويقول السيد مراد باشا (تونس) إن السكن في الأحياء الشعبية يفرض على الانسان الاستجابة لبعض العادات والتقاليد التي بدأت تطفو على السطح في السنوات القليلة الماضية ومنها الحفلات الصاخبة التي تقام فوق السطوح أو في الطريق العام. ويضيف مبررا موقفه: «هل تريدني أن أفسد حفل جار تكبد مصاريف جمة وقام بتحضيرات كبيرة لأنني لم أستطع من كثرة الضجيج أو بسبب ارتفاع مدى مكبرات الصوت التي غالبا ما تصدر أغاني تفوح برائحة المزود وسائر الأغاني الخاصة بالأعراس والأفراح. وخلافا لمراد الذي لا يرى مانعا في هذه الحفلات التي تدل على أريحية التونسيين وعفويتهم يدعو السيد محمد علي د من الكبارية إلى الالتزام بالتوقيت المحدد في القوانين البلدية وعدم اطالة السهرة ضمانا لراحة الصغار الذين يتحولون إلى «كائنات ليلية» في فصل الصيف. **رأي أهل الاختصاص لكن ما هو رأي علماء الاجتماع في هذه الظاهرة ذات المنحى الثقافي والاجتماعي؟ وما هي المبررات الواقعية لمثل هذا السلوك الذي أصبح مألوفا في أحيائنا؟ يؤكد العلماء أن الحفلات في الطريق العام وأمام المنازل موجودة منذ أقدم العصور وليست حكرا على مجتمعات دون غيرها، لكنها تتخذ حجما كبيرا في ظروف معينة، وقد تتحول إلى موضة في فترة ما ثم تتراجع تدريجيا، ويضيف هؤلاء ان المعمار الجديد (ضيق المساحات والمنازل المتداخلة والعمارات الشاهقة) يقف وراء ظهور سلوكيات اجتماعية جديدة حيث يضطر الكثيرون إلى الخروج للشارع (فضاء أكبر) لاقامة حفلات أو السهر مع الأصدقاء أو تدخين شيشة مع الأصحاب والأحباب سواء أمام مقهى أو منزل، وهذا السلوك لا علاقة له بالجوانب المادية في الغالب، فالانسان بطبعه يرغب في اقامة سهراته، وحفلاته في أجواء عائلية بحتة، وهل هناك أفضل من المنزل، والساحة الأمامية له لجمع شمل العائلة وتذوق مشاعر الفرحة، والسرور.