لطالما سيطر مفهوم الانتماء، عرقا وقبيلة على الدكتور الضاوي خوالدية، فعبّرت مصنّفاته المختلفة على ذلك إلا أن أوضح تجل لذلك المفهوم بدا في كتابيه: الأول: «الهمامة أولاد بويحيى في القرن التاسع عشر من خلال مكاتيب القياد» صدر منذ عشريتين، وهو كتاب تأصيلي للقبيلة، أصلا وأرضا وتخييما واستنجاعا وعلاقات بالبايات الحسينيين. الثاني: صدر هذه الصائفة وقد كان تكملة ضرورية للأول وهو: «قبيلة الهمامة في النصف الأول من القرن العشرين (1881 1950) بين سندان الحسينيين ومطرقة الفرنسيين «انشغل الباحث فيه بدرس قبيلة الهمامة في حركيتها واقتصادياتها وقيمها وصلتها بإدارة البايات المركزية والجهوية ثم بالمحتل الفرنسي، ووازى ذلك قراءة في تفاعل هذه القبيلة بمعطياتها الأصيلة (بيئة، ثقافة، قيم..) مع معطيات سياسية وحضارية وافدة عليها سمتها العسف والتقييد، وهو ما يتنافر بالضرورة مع حرية بداوتهم. امتدّ الكتاب على خمسة فصول وثلاثة ملاحق: الفصل الأول: قبيلة الهمامة أصولا وعمارات وعشائر/ بطونا وأرضا. الفصل الثاني: موارد عيش قبيلة الهمامة. الفصل الثالث: إدارة الهمامة الجهوية. الفصل الرابع: علاقة قبيلة الهمامة بالمحتل الجديد. الفصل الخامس: من الخصال التي كان الهمامة يعتدون بها. أما الملاحق فنصوص أصول داعمة لمتن البحث شعرا أو رسائل أو تقارير أو برقيات متنوعة المصادر كالأرشيف الوطني أو الأرشيف الفرنسي بالمعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية أو المخطوطات النادرة، هذا فضلا عن السماع. ولئن كانت مراجع البحث ومصادره تكشف درجة علميته ودقته الأكاديمية فإن مضمونه مبيّن عن روح قبلية خلاقة، وظفها الكاتب في بحث حضاري ذي نزعة تاريخية تأصيلية تأبى التعميم والسطحية، ويبدو أن الاختصاص في هذا الضرب من الكتابة بدا ضرورة الآن لما يوفره من دقة وعمق وفائدة. ولعل فائدة الكتاب مردها ثلاثة أسباب: الأول: متصل بالموضوع فهو غير مسبوق. الثاني: متصل بنوعية المصادر والمراجع. الثالث: متصل بالتطور الزمني في دراسة الهمامة (القرن 19 القرن 20). وقبيلة الهمامة على قحالة أرضها وشحّ مواردها وترحالها الدؤوب وكلاكل الجباية الظالمة المسلطة عليها اتسم أهلها بروح ثورية تجلّت بدءا في عدائية راسخة للسلطات المركزية المحتلة عبر التاريخ من مثل الصنهاجية والموحدية والحفصية والتركية (حسينية) وصولا الى الفرنسية، وإحيائهم مفهوما مقدسا هو الجهاد والمقاومة مارسوه منذ زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر. لقد كانوا إذن فاعلين ومؤثرين في الحركة الوطنية المقاومة سواء في قفصة أو غيرها من المدن مثل صفاقس وبلاد الجريد وسوف ونفزاوة وقرنبالية والحمامات وقابس.. وعلى ذلك كثيرا ما بخس المؤرخون هذه الحركة الجهادية الكبيرة وما قدمته من تضحيات لعقود طويلة، هذا فضلا عن سياسة التمييز التي مورست ضدهم بعد ذلك. ولعل البحوث الأكاديمية المختصة كفيلة بإجلاء هذا الدور الفاعل سواء لقبيلة الهمامة أو غيرها من القبائل الوطنية مثل ورغمة وزيادنة والمثاليث ونفات وبني زيد.. ولا شك أنه متى تزايدت هذه البحوث الدقيقة سنقرأ تأريخا جديدا لقبائل هذه المنطقة..