يعتبر الفنان كمال العلاوي واحدا من خيرة الوجوه المسرحية في بلادنا الذين أنجبتهم ولاية المهدية.. تؤكده عديد المسرحيات التي أنجزها.. وقام باخراجها.. أو تلك التي تقمص فيها دورا ما على غرار جمال العروي وآمال البكوش.. لذلك كان هم هذا المسرحي القدير تقديم عمل فني كبير وفريد يرتقي بالمسرح التونسي والمسرح الغنائي على وجه الخصوص، الذي ظل حلقة شبه مفقودة الى حدّ الآن.. وإن كانت هناك محاولات فهي جدّ قليلة مقارنة بتاريخ المسرح في تونس التي تمثل رائدة في هذا المجال على الصعيدين العربي والافريقي.. إذ يكفي أن نستحضر المرحوم علي بن عياد وبقية الكوادر الذين تعج بهم الساحة الفنية حتى ندرك هذه الحقيقة. ولنا في المنصف السويسي ومحمد ادريس ومنى نورالدين خير مثال.. وأسماء أخرى لا تقل قيمة عن هذا الثلاثي.. والذين سطع نجمهم في وقت من الأوقات من خلال الفرق الجهوية.. قبل حلّها.. وبدافع الحنين الى جهته التي نشأ وترعرع فيها وتعلم بدورها أبجديات الفن المسرحي الهادف. كان أول مشروع خطر ببال كمال العلاوي. فكر في «الكاهنة» البربرية والأحداث التي عاشتها مدينة الجم في عهدها.. وارتبطت بها ردحا من الزمن.. المشروع يتمثل أساسا في أوبيرا مسرحية وغنائية. فبعد أن قام بكتابة النص وتشخيص الأحداث لحظة بلحظة اعتبارا لما يعرفه العلاوي عن الجم وجزئياتها التاريخية انتظر كثيرا لدعم عمله ذاك وتعبت قدماه من اللهث وراء أمنيات وأحلام لم تتحقق.. فكانت وعودا أشبه بدلو مهترئ من الجهات الثقافية وقد كنا في الشقيقة «المصور» أثرنا هذا الموضوع وتعرضنا الى مختلف جوانبه المادية وماذا يمكن أن يضيف الى المشهد الثقافي الوطني.. النتيجة أن هذه الدوائر الثقافية خاصة المحلية لا تستطيع تقديم أدنى مساعدة لانجاح الفكرة ومن ثم العمل لسبب واحد بسيط وهو أنها تئن تحت وطأة الحاجة، ليس في الجم فحسب وإنما كل المعتمديات تقريبا تعيش حالة الافلاس المادي الحقيقي وعلى رأي المثل «العين بصيرة واليد قصيرة».. لكن المسؤولية الكبرى في اعتقادنا تتحملها وزارة الثقافة آنذاك، لأنها تمثل المدعم الرئيسي للمشاريع الثقافية والفنية.. ولم تنظر الى أن «الكاهنة» كمشروع راق ورفيع سيحدث نقلة نوعية في مسيرة المسرح التونسي وأن الاضافة ستكون موجودة وملموسة وستغير من واقع المسرح المكبل حينئذ!! وقد اتجهت النية في ذلك التاريخ الى المطربة فاطمة بن عرفة التي اشتهرت بأدائها الجيد لأغنية «قسما بسحر عيونك» لتقمص دور «الكاهنة البربرية» وإن كان كمال العلاوي لم يشر الى ذلك اطلاقا سوى ما تردد في مقاهي لافايات.. انطلاقا من مقهى الاذاعة والوسط الفني بل هناك من رشح الفنانة سنيا مبارك.. ودخل الحلم طي الذكرى والنسيان الى حين.. 25 سنة وبعد! وبعد كل هذه الأعوام، هل يولد المشروع الحلم من جديد؟ لاسيما وأن التاريخ تغير.. ومعه الجغرافيا والفيزياء و«الماط».. القيود تقطعت والحواجز تكسرت وجدران القلم والاقصاء تصدعت وتهدمت.. حتى الوجوه تبدلت في الريف والقرية والمدينة وفي كل الأزقة.. فالأكيد لو يتم طرح الفكرة مرة أخرى ستلقى الدعم والترحاب من الجميع وستحقق ما كان يأمله صاحبها.. فلدينا اعتقاد ويقين راسخان بأن السيد مبروك العيوني الوجه الثقافي المعروف بولاية المهدية الذي كان ولازال له دور ريادي وكبير في نجاح مهرجان الجم الدولي للموسيقى السنفونية وعرف على يديه اشعاعا عالميا متميزا بشهادة القاصي والداني.. نقول هذا ليس رميا للورود أو تبجحا.. فصحيفتنا مشهود لها بالموضوعية في كل شيء ولن تحيد عن مبدئها أبدا.. لو يقترح عليه المشروع لا نظنه سيبخل على تشجيعه ومباركته خصوصا أن أعمالا من هذا النوع من شأنها أن تزيد في تلميع صورة الجم وتونس بوجه عام في المحافل الدولية..