بقلم: نور الدين صمود نَشِطَتْ بلديةُ تونس العاصمة قبل الاستقلال وفي بدايته نشاطا ملحوظا في ميدان الثقافة، من ذلك أنها استقدمت من مصر الممثل والمخرج القدير زكي طليمات والموسيقار المثقف عبد العزيز محمد، الذي أذكر أنه كتب كثيرا من المقالات في بعض الجرائد التونسية المعروفة في ذلك الوقت عن الموسيقى وعن بعض ما له صلة بها، وأذكر أن المشرفين على الثقافة في البلدية كوَّنوا بالتعاون مع ذوي الاختصاص في تونس وفي مصر فرقة للتمثيل استقطبت مشاهير الممثلين التونسيين في تلك الفترة ومَن كان في بداية الطريق ثم أخذوا المشعل عن السابقين، وقدّمت تلك الفرقة، تحت إشراف زكي طليمات، بعض المسرحيات الكبيرة التي أتذكر منها مسرحية «صقر قريش» لمحمود تيمور، وقد وقعت في يدي، منذ سبع سنوات، نسخة قديمة من تلك المسرحية مطبوعة في مصر دون ذكر تاريخ طبعها، غلافها منْزوع، وعلى صفحتها الأولى عنوانها: (صقر قريش) وكتب تحته ما يلي: مُثِّلتْ لأول مرة بمدينة تونس، حاضرةِ الدولة التونسية، قدَّمتها (الفرقة البلدية للتمثيل العربي) على مسرح البلدية بتار(يخ) (1) يوم الخميس الموافق 8 ديسمبر 1955 في حفلات متتابعة، ثم أعيد تقديمها في يناير (جانفي) 1956 في حفلات أخرى، أشرف على إعداد تقديمها، بعد الترحيب بها كهدية إلى القطر التونسي الشقيق: أمير الأمراء محمد الشاذلي حيدر، رئيس البلدية وشيخ مدينة تونس ومحافظها، تولَّى إخراجها، وتمثيل دور «عبد الرحمان الداخل»: الأستاذ زكي طليمات الذي حقق، قبل هذا، لبلدية تونس، رغبتها في إنشاء فرقة قومية للتمثيل العربي قررت احتراف التمثيل بين هواة المسرح بتونس، وتحظى بإعانة مالية في كل عام. ومسرحية صقر قريش في هذا الكتاب تقع في 202 صفحة من الحجم المتوسط، مبدوءة ب(فاتحة...وتعقيب للأستاذ الكبير زكي طليمات من ص 7 إلى ص 31 تحدث فيها عن «عبد الرحمان الداخل» وتأسيسه للدولة الأموية في الأندلس، وعن معالجة محمود تيمور لشخصيته (لا في عالم التاريخ، ولكن في دنيا النفس وفي محيط الإنسان) وتناول زكي طليمات في هذه المقدمة جوانب هامة جدا يضيق عن تفصيلها المجال. إن هذه المسرحية أثر أدبي له قيمة تاريخية هامة باعتبارها لأديب مبدع، وباحث أكاديمي مرموق، وقيمتها المضافة تكمن في هذه النسخة بالذات من هذه الطبعة باعتبار ما تنص عليه من تمثيلها في تونس في تلك الفترة بالذات، وفي ما تحمله من أسماء من قاموا فيها بأدوار شخصياتها الكثيرة وعددهم أربعة عشر رجلا هم – كما وردت أسماؤهم في الصفحة الرابعة: (وقام أعضاء الفرقة بأداء أدوار المسرحية على الوجه الآتي: الرجال محمد عبد العزيز العقربي في دور منارة، محمد التيجاني(2) في دور أبو الصباح، الهادي السملالي في دور بدر، الطاهر بلحاج في دور ونسوس، عز الدين السويسي(3) في دور ابن عثمان، أحمد التريكي في دور صاحب الشرطة والمرواني، عبد اللطيف بن جدو في دور سابق، عبد الحفيظ بلحسين في دور هرقل، (محمد) رشيد قاره في دور القوطي، وأمير البحر، نور الدين رزق الله في دور الأَنوف، محمد(جميل) الجودي في دور ميمون، الجيلاني التونسي في دور أبو غالب، جلال بورقيبة(4) في دور العملاق وحسان، نور الدين القصباوي في دور العملاق وحسان(5). والسيدات: فتحية خيري في دور ضُحَى، دليلة خيري في دور أميرة القصور، الزهرة فائزة في دور تكفات، منَى نور الدين في دور رواح، سلوى في دور سَحَر). والملاحظ أن بعضهم قد ثبت في ميدان التمثيل وانقطع البعض الآخر عن التمثيل واتجه اتجاها آخر، ولا زال البعض منهم على قيد الحياة أمدَّ الله في أنفاسهم، وانتقل أكثرهم إلى الرفيق الأعلى يرحمهم الله، وما زلت أتذكر الكثير ممن وردت أسماؤهم في ذلك الكتاب، وأرجو أن أعرف بقيتهم من أصحاب الذكر في هذا الميدان. أنا متأكد من أني حضرت تدريب تلك الفرقة على مسرحية صقر قريش، قبل تقديمها على المسرح، فذهب في ظني أني شاهدتها على المسرح، وقد نبهني ما كتب في الصفحة الأولى منها عند طبعها في القاهرة بأني لم أشاهدها إلا في تلك التدريبات، لأني كنت - عند تقديمها في التاريخ المنصوص عليه في تلك الطبعة - طالبا بجامعة القاهرة التي مضى عليَّ فيها حوالي شهرين. أما رواية «ليلة من ألف ليلة» فأنا متأكد من أني شاهدتها على المسرح البلدي ومن مشاهدها التي ما زلت أتذكرها، تلك الوفود التي جاءت تهنئ ملك تلك البلاد في الرواية، وكان كل وفد يقدم إليه الهدايا بطريقة غنائية، وقد رأى المخرج زكي طليمات أن يضيف مشهدا يظهر فيه وفد من تونس أقبل لتقديم هدايا بلادنا وقد طلب من الشاعر أحمد خير الدين أن يكتب كلمات هذا المشهد على نفس النمط الذي كتب به بيرم التونسي المشاهد السابقة، فكتبه باللهجة التونسية، وما زلت أتذكر مطلعه، فقد دخل هذا الوفد وفي يديه كثير من الهدايا وهو ينشد: (من تونس جينا وجبنا برشه حوايج معانا) إلخ. أما مسرحية «تاجر البندقية» للكاتب والشاعر الإنقليزي وليم شكسبير فقد شاهدتها على خشبة المسرح البلدي، وما زلت أتذكر زكي طليمات يصول ويجول في دور شَيْلوخ التاجر اليهودي الذي يتعامل في المسرحية بالعملة اليهودية الشِّيكل، ويريد أن يقتطع من المدين قطعة من لحمه لأنه أخل بالعَقد الذي بينهما، كما أتذكر أن الممثلة التونسية الجنسية واليهودية الدِّينِ الفنانة هناء راشد تقمّصت دورا طريفا في تلك الرواية. وأتذكر أن تلك الفرقة قد قدمت مسرحية شعرية باللهجة المصرية من تأليف محمود بيرم التونسي بعنوان «ليلة من ألف ليلة»، وقد أتقن الممثلون أداء أدوارهم فيها باللهجة المصرية تحت إشراف زكي طليمات في الحوار، أما أداء الغناء فهو مضبوط باللحن الذي ربما كان من تلحين سيد درويش وبقيادة عبد العزيز محمد وربما كان من تلحين هذا الأخير. وقد أعجبتني ألحان عبد العزيز محمد في تلك الرواية فقلت فيه بضعة أبيات من أوائل ما نظمت من الشعر ما زلت أتذكر مطلعها وهو: دغدغِ العودَ يا «عزيزُ» وهاتِ ٭ من رُبا الخلد أعذبَ النغماتِ! لقد كنت في هذه المسرحيات الثلاث شاهد عيان تدريبا وتمثيلا، وما زلت أتذكر بعض المشاهد التي وقع التدريب عليها قبل العرض، وكان من بين الممثلين الذين رأيتهم يتدربون على شخصية من شخصيات (صقر قريش)، الملاكم التونسي الشهير المعروف بإبراهيم الشاب الذي عرف باسمه الحقيقي إبراهيم المحواشي معلقا رياضيا خفيف الظل والروح، ولكني لا أعلم إذا كان قد قام بذلك الدور أم لا لأني لم أشاهد المسرحية أثناء عرضها على المسرح البلدي كما تبين لي من خلال ذكر تاريخ عرضها في الكتاب الذي نشرت به المسرحية. وفي الختام أود أن أسجل الملاحظات التالية: (1) الياء والخاء ساقطتان، من كلمة التاريخ، في هذه الطبعة . (2)محمد بن التيجاني هو الممثل الشهير حمدة بن التيجاني الذي عُرف بدور الماريشال. (3) عز الدين السويسي هو والد الممثل المعروف المنصف السويسي، وكان صحفيا. (4) جلال ابن الشاعر محمود بورقيبة مهندس الصوت بالإذاعة التونسية بعد ذلك. (5) قام بدور حسان كل من جلال بورقيبة ونور الدين القصباوي في عرضين مختلفين. وستكون لي عودة إلى الحديث عن الموسيقار المصري عبد العزيز محمد وأشياء أخرى لها صلة به في فرصة قادمة إن شاء الله.