يعتبر محمد عبد العزيز العقربي عميد المسرح التونسي في الستينيات احد الوجوه الفاعلة في بناء صرح المسرح التونسي منذ الثلث الاول من القرن الماضي... فلقد التحق بالعمل المسرحي عن طريق محمد بورقيبة مدير فرقة الشهامة العربية سنة 1918 حين باشر وظيفته الادارية في مستشفى عزيزة عثمانة اين كان يعمل محمد بورقيبة كعون صحي فأعجب هذا الاخير بسحر صوت العقربي ووظفه كمنشد في فرقته واسند له دورا في مسرحية «هملت» وآخر في «شهداء الوطنية» فنجح في الاثنتين وبعيد هذه التجربة راح يتنقل من فرقة الى اخرى فعمل مع الهلال التمثيلي ثم جمعية «ليسور» وبدعوة من زميل دراسته في التعليم الابتدائي محمد الحبيب، انضم الى المستقبل التمثيلي فكانت له تجربة مهمة اذ قام بدور البطولة في مسرحيتي «مجنون ليلى» وعائدة الغنائيتين» وشاركته البطولة حبيبة مسيكة وفضيلة ختمي فتألق في هذا النوع من المسرح مما جعل محمد الحبيب يكلفه بتدريب الممثلين على التمثيل والإلقاء والانشاد مع قيامه بالأدوار الغنائية الصعبة... والتفرغ للفن المسرحي. استقال من وظيفته الاولى في الصحة والثانية في العدلية وسافر في وفد الى برلين بألمانيا لحضور مؤتمر حول التراث والموسيقى صحبة عثمان الكعاك ومحمد التريكي وصالح المهدي ولقد سجل هناك اسطوانات له في المغنى... بقيام الحرب العالمية الثانية توقف النشاط المسرحي في الإيالة التونسية الى ان وضعت الحرب أوزارها فعاد مع محمد الحبيب الى النشاط في جمعية الكوكب التمثيلي وعهد اليه بتكوين الممثلين وتجويد قدراتهم الفنية عبر الالقاء والتمثيل والانشاد... ونتيجة لتمكنه الفني ذاع صيته بين الجمعيات المسرحية اثر انتاج جمعية الكوكب التمثيلي لصاحبها ومؤسسها محمد الحبيب للمسرحية الغنائية «ولادة وابن زيدون» حيث اشرف محمد عبد العزيز العقربي على تلحين فصولها والقيام بأهم دور فيها... فأبهر الجمهور بروعة انشاده ومتانة أدائه المسرحي مما رشحه وأهّله لإرساله للدراسة في معهد روني سيمون بفرنسا ونتيجة لتفوقه عيّن لتدريس الإلقاء والتمثيل لطلبة هذا المعهد... ولما عاد من فرنسا شارك يوسف وهبي في بطولة مسرحية «الصغيران» سنة 1950 فتوهّج نجمه في المسرح البلدي بتونس وصفّق الجمهور التونسي طويلا لنجاحه الباهر ولطلاوة وحلاوة صوته الجهوري الشجيّ... كانت لغة الضاد حين تخرج من بين شفتيه كأنها نغم لشدة تمكنه منها والتناغم مع مخارج الحروف فيها... الأمر الذي جعل يوسف وهبي يثني عليه وينوّه ببلاغة تجسيمه لدوره وجمال ورشاقة حركته وتحركه فوق الركح وعند بعث مدرسة التمثيل العربي سنة 1951 عينته ادارة المعارف والفنون المستظرفة استاذا في الإلقاء والتمثيل بها الى جانب تكليف حسن الزمرلي بإدارتها وكل من محمد الحبيب وعثمان الكعاك والطاهر قيقة وحمادي الجزيري بخطة التدريس فيها وبعد ثلاث سنوات تخرّج الفوج الاول من طلبتها ومن ضمنهم جميل الجودي وعبد اللطيف الحمروني والرشيد قارة ونور الدين القصباوي وسعدية الوسلاتي اي منى نور الدين وفي حديثنا مع الممثل والكوميدي القدير محمد المورالي أفاد بأنه جاء من مسرح النادي الافريقي وشارك في المناظرة الاولى اثر بعث فرقة بلدية تونس للتمثيل العربي ونجح ضمن قائمة الممثلين المنتدبين للعمل في هذه الفرقة وكلف حمادي الجزيري بتسييرها وهو كفاءة عالية فوزع علينا نص «بائعة الخبز» لكن الامور تعطلت من طرف المجلس البلدي فقدم استقالته وحل مكانه الاستاذ عبد العزيز العقربي فخضعت الفرقة لمناظرة ثانية لكن الحالة تعقدت وتعثرت نظرا لأن جانبا من اعضاء المجلس البلدي غير مقتنعين بالاحتراف ويفضّلون الهواية فجاء زكي طليمات من مصر وتقاسم الادارة مع العقربي عندها انطلقت اعمال الفرقة بعد اختبار ثالث لانتداب ممثليها وانتجت وقدمت: «تاجر البندقية» و «يوليوس قيصر» و «ليلة من الف ليلة» وبعد هذه الاعمال عيّن محمد بن عبد العزيز العقربي كأول مدير حقيقي لها فأخرج لها «لكلو من عيشوشة» من تأليفه و «ادعوني يا أستاذ» و «مريض الوهم» وقد قمت بعدد من الادوار المهمة معه. لقد كان العقربي متميزا في منهجية اعداد الممثل وتكوين وصقل مواهبه وتعميق ادائه... فكان فضله علينا يشكر فيذكر، لكن بسبب خلافه مع المجلس البلدي قدّم استقالته سنة 1960 وحل محله حسن الزمرلي، ثم علي بن عياد، واكتفى العقربي بالتدريس في معهد الفن المسرحي الذي قام على أنقاض مدرسة التمثيل العربي بعد تأميمها سنة 1959 بأمر من ادارة العلوم والمعارف ينص على بعث المعهد العالي للتمثيل لتكوين الاطارات في التربية الفنية... ونظرا لأننا كنا آخر فوج تخرج على يديه سنة 1965... قبل رحيله للعمل في ليبيا... وكان الواسطة في ذلك زميلنا في الدراسة الطالب الليبي: عمران راغب المدنيني الذي تخرج من معهد الفن المسرحي بتونس سنة 1964، وبعد حصار وإقصاء وظلم... عاشه العقربي... لطالما اشتكى منه... وتحدث لطلبته بمرارة عنه... بل انه تحدث عن اتهامه من طرف النفوس المريضة بغلق باب المسرح البلدي في وجه الزعيم الحبيب بورقيبة الذي درس معه في صف واحد في الصادقية عندما جاء لمشاهدة احدى مسرحيات العقربي في أواخر الستينيات بالفرقة البلدية للتمثيل... ذهب العقربي الى القطر الليبي وساهم مساهمة فعالة في التدريس وفي تطوير معهد المسرح بليبيا... ثم اجرى تربصا لخريجيه لتأسيس المسرح الوطني الليبي الذي عين على رأسه تلميذه عمران راغب المدنيني، كما اخرج للمعهد مسرحية «غرام يزيد» وللمسرح الوطني الليبي «أهل الكهف» و «حاضر وسامر» حول نشأة المسرح ودوره في الترقية والتثقيف وتهذيب الذوق... واشرف على دورات تكوينية في الموشحات والموسيقى... ووفاه الأجل في حادث سيارة مفجع سنة 1968 وله كتاب في تشكل مذكرات وخواطر عن نشأة المسرح ودوره عبر العصور مع سيرته الذاتية والفنية. ولد عبد العزيز العقربي سنة 1901 ودفن في مقبرة الزلاج، ونظرا لدوره الرائد في المسرح التونسي نرجو رد الاعتبار له.