في حرب الجلاء عن بنزرت سنة 1961 ومثل الحروب الأخرى استشهد العديد من الشهداء الأبرار في ساحة الوغى والشهيد عمر غربية (قفصة) كان قد استشهد في صفوف الحرس الوطني الذي لا يزال يتربص فيه بعد تخرّجه من مركز التدريب ببئر بورقبة وسجل باستشهاده في هذه المعركة المصيرية صفحة من صفحات التاريخ الوطني عن مدى عطاء الشباب التونسي السخي من أجل حرية البلاد وكرامتها.. لكن الذي يؤلم أن هذا الشهيد لم يعرف له قبر الى حدّ الآن.. فقط تمّ إصدار حكم بوفاته بعد عامين كاملين من تاريخ الحرب. والشهيد عمر غربية وخديجة بنت العربي مبروك ولد بمدينة قفصة يوم 10 أفريل 1937 ونشأ في كفالة والده المرحوم أحمد غربية الذي كان قد أطرد من عمله من طرف المستعمر الغاشم إثر ثبوت تحرّكه النضالي والمشاركة في صفوف النقابة. وبعد أن أنهى الشهيد تعلمه بكتّاب سي محفوظ بن يونس العبيدي انتمى الى الفرع الزيتوني بمسقط رأسه حيث تحصل على شهادة الأهلية ثم انتقل الى العاصمة لمواصلة الدراسة لمدة ثلاث سنوات دون أن يتحصل على شهادة التحصيل وهناك في العاصمة وأصل نشاطه في صفوف الشباب الدستوري بشعبة الحفصية والكشفي بنهج بورخيص. ويذكر أن الشهيد في فتوته انخرط في صفوف الشبيبة الدستورية بقيادة محمد جلول (شهر شكيوه) وأيضا في فريق التجوال بالكشافة التونسية تحت قيادة محمد الغضباني وأحمد بادي بلعجمي وفرع صوت الطالب الزيتوني وتعرضه أكثر من مرة صحبة والده الى الايقاف والاضطهاد والتعذيب. وفي سنة 1961 انتدب في سلك الحرس الوطني صحبة منور غربية ومحمد الطاهر غلالة وبعد إنهائه دورة التدريب بمركز بئر بورقبة الحق بالتربص بمركز الحمامات ثم وقبل انتهاء التربص الحق صحبة كتيبته ببنزرت للمشاركة في حرب الجلاء. وإثر إيقاف القتال كان الفقيد من بين المفقودين صحبة ثلة من رفاقه.. ولم يقع العثور عليهم حتى تمّ إصدار حكم بوفاتهم بعد عامين كاملين.. وأعلن عن ترقيته بصفة استثنائية كعريف أول. وهكذا يسجل التاريخ في صفحاته عن هذا الشاب الدستوري والكشاف المستعد كرمز للفداء والعطاء وهو لا يزال في بداية عهده بالسلك الذي انتمى إليه.. بل ولم يكمل بعد تربصه مثلما يسجل التاريخ أيضا أن الشهيد لم يعرف له قبر.. ولم يوارَ تحت اللحود.. مثله مثل الكثير من الذين استشهدوا في الحرب المذكورة.