في بداية هذا المقال أجدني مضطرا الى تصحيح بعض المسلمات التاريخية التي يمكن للمؤرخ المدقق مراجعتها وأقتصر هنا على اثنتين. الأولى : ان عيد الشهداء الحقيقي بتونس حدث في صائفة 1961 التي شهدت سقوط اكثر من 700 شهيد في ايام معدودات [انظر ما ذكره الجنرال ديغول في كتابه : (Mémoires d'espoir, le renouveau 1958 - 1961)] اضافة الى اغتيال الزعيم صالح بن يوسف. وهذا لا يقلل في شيء من باقي شهدائنا بما فيهم ال 23 الذين سقطوا إبان أحداث افريل 1938. الثانية : ان ما حدث ببنزرت ليس معركة بل هي حرب دامت بضعة ايام رغم تفاوت القوى والأخطاء العسكرية والديبلوماسية التي حفت بها. أما فحوى هذا المقال الذي أكتبه وأنا أشعر بغصة في حلقي فيتمثل في ان الشهيد الاول والوحيد الذي سقط يوم 19 جويلية 1961 (لدي شهادة في ذلك من السيد الهادي صبارة أصيل قفصة والذي كان يعمل كمبنج بمستشفى بنزرت) وهو المرحوم أحمد تيتاي الدالي الذي انتمى للفيالق الاولى للحرس الوطني، هذا الشهيد حسب رأيي مات أربع مرات. فكيف ذلك؟ ❊ حظي هذا الشهيد بشرف الشهادة في اليوم الاول من المعارك وبديهي ان الشهادة نالها بموته الاول وقد أعيد جثمانه الى قفصة مسقط رأسه وحظي كباقي شهداء الوطن بموكب مهيب وعظامه الآن ترقد في مقبرة الشهداء في سفح جبل الميدة بقفصة. ❊ مات مرة ثانية عندما نرى ان قبره يبقى مجهولا اي ان اسمه لم يوضع على القبر سواء كان جماعيا أو فرديا. ❊ مات ثالثة حيث ان اغلب شهداء بنزرت من شمال تونس الى جنوبها قد بنيت المدارس والمعاهد وحملت اسماءهم او اطلقت اسماؤهم على شوارع (مثل المرحوم محمد الطاهر بن محمد غلالة وليس غلال كما جاء في كتاب السجل القومي لشهداء الوطن والذي وقع تخليد ذكراه بشارع قرب سيدي عمر الخموشي بقفصة والمرحوم عمر غربية الذي وقع تخليد ذكراه بشارع بجهة السواني بقفصةالمدينة) او احياء او قرى تنعت عادة بالمنازل (أمثلة = منزل ميمون بقرية أولاد وهيبة بقفصة الشمالية، منزل زرواني بقرية أولاد صالح بقفصة الشمالية) كما وضعت مسلات تخلد ذكراهم (انظر جندوبةوبنزرت) اما المرحوم فلم ينل حظه من ذلك لحد الآن رغم ما كتبته شخصيا عنه في مرات سابقة. ❊ مات مرة رابعة ميتة فظيعة اكتشفتها مؤخرا بعد حصولي على صورته بالزي الرسمي للحرس الوطني من ابن أخيه الاستاذ رضا تيتاي الدالي حاولت الحصول على مضمون وفاة المرحوم من بلدية قفصة مسقط رأسه فلم أجد اي اثر لذلك وفجأة عنت لأحد الاصدقاء الاعزاء فكرة فحاول الحصول على شهادة الوفاة من بنزرت فتمكن من ذلك (انظر الوثيقة المصاحبة) وقد كانت الصدمة عنيفة حقا. فقد سجل المرحوم بدفاتر الحالة المدنية ببلدية بنزرت على انه مات ببنزرت يوم 19 جويلية 1961 وهذا صحيح. وقد قام مستشفى بنزرت بالاعلام عن الوفاة يوم 24 جويلية 1961 لكن الغريب ان تاريخ الولادة ومكانها والجنسية (؟؟؟) نعم الجنسية والمهنة واسم الاب ولقبه واسم الام ولقبها والوضعية العائلية... كلّ ذلك غير منصوص عليه بمضمون الوفاة. أليست هذه حقا ميتة رابعة بل نسيانا أبديا. أليس من حق هذا الشهيد البطل الذي كان في الصفوف الأمامية التي تتولى تنظيم المعركة ورعاية المتطوّعين (بشهادة بعضهم من الذين مازالوا على قيد الحياة) ان يحظى بما يستحقه من اعتراف بالجميل وتخليد للذكرى ولمَ لا تكون مناسبة احياء عيد الامن الوطني في 18 افريل 1956 فرصة لتحقيق ذلك. ان اقتراحي الشخصي والمتواضع يمكن ان يتحقق بإطلاق اسم الشهيد على مدرسة التطبيق بالدوالي بمدينة قفصة ولمَ لا اطلاق اسمه على شارع من شوارع المدينة فهناك من حظي بشرف تخليد ذكراه بإطلاق اسمه على شارع رئيسي بقفصة ومدرسة وحي وهو يستحق ذلك لأكثر من سبب. رجاء أنصفوا شهيدنا بل شهيد الوطن، كي لا نقول »الآخرة حظوظ« أسوة بالقول »الدنيا حظوظ«. ملاحظة اضافية أحمد تيتاي الدالي هو ابن عبد الله الصغير بن بلقاسم بن تيتاي شاعر الهمامة الشهير والذي قام بهجاء محمد الصادق باي وكذلك الوزير الأكبر مصطفى خزندار إبان ما نتج عن ثورة علي بن غذاهم من قمع وتشريد لرموز الثورة، وهو ابن العائشة من آل عزوز الذين أسس جدهم مصطفى بن عزوز زوايا عديدة أشهرها زاوية نفطة ولمع من بين افراد هذه الاسرة خاصة الفقيه والعلامة محمد الخضر حسين الذي ارتقى الى مشيخة الازهر بمصر خلال النصف الاول من خمسينيات القرن الماضي. ❊ محمد المهدي بن محمد الصالح الدالي