كثيرا ما جنح النقّاد المشارقة الى تصنيف البلدان المغاربيّة تصنيفا أدبيّا، فتحدّثوا، في كلّ قطر، عن أدبيّ يختصّ به، فذهبوا،على سبيل المثال ، إلى أنّ بلادنا تتميّز بتجربتها الشعريّة ووصفواهذه التجربة بأنها أهمّ التجارب الشعريّة في البلاد المغاربيّة و أولاها بالعنايّة والاهتمام. ولعلّ آخر من أكّد ذلك الشاعر أدونيس في حواره مع الشاعر اللّبناني عبده وازن حيث قال إنّ التجربة الشعريّة التونسيّة هي أقرب التجارب المغاربيّة إلى التجربّة المشرقيّة...وأكثرها استيعابا لشروط الحداثة. ومن ناحيتي سمعت عديد المرّات الشاعر الرّاحل محمود درويش ينوّه بالقصيدة التونسيّة، و يشيد بتطوّرها، وربّما اعتبر بعض النصوص التونسيّة «نصوصا استثنائيّة» وآخذ نقادنا على قصورهم في التّعريف بها. في الوقت ذاته نوّه هؤلاء النقّاد بتجربة الجزائر الروائية مذكّرين أن أسماء مثل أحلام مستغانمي ورشيد بوجدرة وواسيني الأعرج و جيلاني خلاّص والحبيب السائح لم تعرف نجاحا عربيّا فحسب وإنّما حققت انتشارا عالميّا فترجمت أعمالها الى لغات أجنبيّة عديدة. هذه التجربة الجزائرية كانت على تميّزها آمتدادا لتجربة أخرى سابقة لفتت إليها الانتباه منذ السبعينات وهي تجربة آباء الرواية الجزائريّة العربية أعني عبدالحميد بن هدوقة والطاهر وطار ورضا حوحو. وهذا الجيل، كما هو معروف، هو الذي أسكن الرواية العربية الحديثة بلاد الجزائر بعد أن كانت روايتها إمّا مكتوبة باللّغة الفرنسيّة، وإمّا بلغة عربيّة سلفيّة، وفي الحالتين كلتيهما لم تكن مندرجة في سياق الحداثة الروائية العربية... أمّا بالنسبة إلى المغرب فقد كان الاحتفاء واضحا بالتجربة النقديّة التي عدّها الدّارسون «أنضج التجارب النقديّة العربيّة وأعمقها» و في هذا السيّاق أحالوا على أعمال محمد مفتاح وعبد الفتاح كليطو ومحمد بنيس التي اعتبروها «لبنات مهمة في مدرسة نقديّة عربيّة متطوّرة ما فتئت ترهف أدواتها باستمرار». لاشكّ أنّ في هذا التصنيف الذي جنح النقّاد تعميما مخلاّ. فمن العسير القبول بفكرة اختصاص كلّ قطر بجنس أدبي محدد. فإذا قبلنا على سبيل المثال بأنّ الجزائر هي التي تختصّ في بلاد المغرب، بالرواية فكيف نبرّر وجود ابراهيم الكوني في ليبيا، ومحمد برّادة في المغرب واذا قبلنا بأن المغرب هي التي تختصّ بالنّقد فكيف نبرّر وجود محمد لطفي اليوسفي بتونس والرّاحل محمد خليفة التليسي بليبيا... ومهما يكن من أمر فإنّي من القائلين بأنّ الأجناس الأدبيّة تترافد وتتفاعل بحيث يفضي «تطور» جنس الى تطور بقيّة الأجناس الأخرى. أمّا الحديث عن جنس «متقدّم» على الأجناس الأخرى في قطر من الأقطار فأمر فيه نظر. والواقع أنّ المحدّد في تميّز بعض الأصوات في البلاد المغربيّة، وفي غيرها من البلاد ليس المكان، كما يريد أنّ يوهمنا البعض وإنّما قدرات الفرد المبدع، ومواهبه، وطاقاته الخلاّقة.