نظمت الزميلة رياليتي مؤتمرها العالمي الثاني بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبيرت ومنظمة الألكسو ومعهد جوتة الألماني، ورئيس بعثة الإتحاد الأوروبي، والمعهد الأوروبي المتوسطي. تحت عنوان «الأديان والهويات في المتوسط» وموضوع هذه السنة (الإسلام الحداثةوأوروبا) ودعت مفكرين مرموقين من تونس، تركيا، ومن أوروبا الشرقيةوالغربية، لتبادل الآراء حول إمكانية التجاور والتعايش الديني. دخل الإسلام أوروبا من سنة 652، ثم فتح المسلمون الأندلس، بعد ذلك ساهمت الإمبراطورية العثمانية في دخول الإسلام إلى أوروبا الشرقية، ثم إنتشر الإسلام في القرن الماضي عن طريق الهجرة إلى أوروبا الغربية، وحسب إحصائيات 2009 يقدر عدد المسلمين في أوروبا بما يقارب 50 مليون نسمة، ومن المتوقع أن تصل نسبة المسلمين في أوروبا حوالي 20٪ من السكان عام 2050، وليست النسبة وحدها أو سرعة كثافة العدد وكثرةالتناسل وحدها السبب، لكن إنخفاض معدل الولادة في أوروبا هو أيضاً من أهم الأسباب. لم يعد الإسلام من خصوصيات البلدان الإسلامية، تجاوز حدوده الجغرافية والعقائدية وزحف إلى أوروبا، ولا يمكن لأوروبا أن تتجاهل وجود هذا الطارق الذي يطرق الباب بإلحاح. في الستينات صرح هنري كيسنجر (بعد القضاء على الخطر الشيوعي عدونا هو الإسلام) وفي سنة 1970 أثناء الحملةالإنتخابية الرئاسية في فرنسا خطب أندريه مالرو قائلا (إن وحدة أوروبا فكرة إيتوبية، لا بد من عدو مشترك لتوحيدها سياسياً، والعدو الوحيد هو الإسلام) لكن اليوم وفي بدايات القرن الواحد والعشرين، عبرت السيدة دغمار جبنفانيل مديرة معهد قوتة الألماني في تونس في كلمة إفتتاح مؤتمر (الإسلام، الحداثة وأوروبا) أنه منذ تاريخ 3 أكتوبر 2010 وبعد كلمة الرئيس الفيدرالي كريستيان وولف في خطابه بمناسبة العيد الوطني الألماني جملة أخذت تتردد في كل مكان منذ ذلك التاريخ (الإسلام هو جزء من ألمانيا) وخلال زيارته لتركيا في الأسبوع الماضي أكد الرئيس الألماني (لا أحد مجبر على التخلي عن هويته الثقافية أو أن يتنكر لأصوله، وفي النهاية ألأهم هو إحترام وحماية التقاليد والقوانين التي تسمح لنا بالتعايش في مجتمع واحد) (كما يمكن للمسلمين أن يمارسوا عقيدتهم في محيط يتسم بالكرامة، ويمكن أن نجد خطابا شبيها في جل البلدان الأوروبية إذن لماذا دائرة المواجهة بين الإسلام والغرب تتسع وبوتيرة تصاعدية، هل مازالت الدوافع مرتبطة بالخلفية التاريخية؟ أم أن هناك مخاوف راهنة أو مستقبلية؟ هل أوروبا تحاول تجاهل وجود الإسلام وامتداده، أم أن الإسلام أخطأ في طريقة طرقه الباب؟ كانت الشيوعية عدوا، فلماذا أصبح العدو اليوم الإسلام ؟ الشيوعية إيديولوجيا فكرية وسياسية، أما الإسلام فهو دين له كل مقومات الأديان السماوية الأخرى، بعد نهاية مقولات فوكوياما عن نهاية التاريخ، ومقولة صدام الحضارات، أو شرق يتقدم وغرب يتراجع، وفي كل هذه السجالات الفكرية كان الإسلام والفكر الإسلامي حاضرا بأشكال مختلفة، كدين وحضارة أو فكر أو تاريخ، مما يدفع إلى التساؤل عن إمكانية حسم إشكالية الحداثة والإسلام. هل ننظر إلى هذه الإشكالية في نطاق التراث الذي ينتسب إلى الماضي، أو بنمطية جامدة بحيث تفقد فاعليتها الفكرية، أو في نطاق الحاضر والمستقبل، هل الإسلام يزعج كدين، أم ان المسلمين كوجود وتقاليد وتصرف وإنتشار؟ الدين كلمة تشير إلى ظاهرة شديدة التعقيد، الأشمل وجودا، والأعمق تاثيرا في حياة المجتمعات ماضيا وحاضرا، لكنها اليوم أصبحت مساحة صراع شرس،قضت على دول وافراد، وشكلت مجموعة من هويات لأفراد امة واحدة: متدين،علماني، ليبيرالي، ملحد، روحاني، رجعي، محافظ، تقليدي، مجدد، مجتهد.. صفات يتضح أو يلتبس معناها بقدر ما يتضح أو يلتبس معنى الدين، وتتكثف مصالح حول هذه الظاهرة المقدسة ذا ت الأبعاد المتعددة. ما يتلاشى هو عالم الأشياء، أما عالم الأفكار فيبقى متوقدا أو خافتا أو متحولا. ولا شك أٌن القرآن الكريم هو الإطار المرجعي الرئيسي الذي يحفظ جوهر الإسلام، المشكل في طريقة قراءة النص وجعله مواكبا للتحولات الإجتماعية. الحوار الذي فتحته الزميلة (رياليتي) خلال الدورة الثانية لمؤتمرها العالمي، يفتح باب التساؤلات حول مواضيع مهمة خاصة باب التساؤلات حول مستقبل المسلمين في بلدان إتخذوها موطناً لهم. السؤال ليس سهلا، لكنه أساسي، والحوار هو مفتاح لجواب ممكن.