لكأنّ بلادنا العربيّة من دون بلاد العالم كلّه، أغمضت عينيها فجأة وفتحتهما فإذا ليس فيها إلاّ عباقرة الرقص والغناء و«نجوم الدراما والسيما» وفحول «كباتنة الفوتبول»! اللهمّ لا حسد! فمن منّا يكره تكحيل عينيه بالجمال؟! لكن هل خلت الساحة من سائر المبدعين؟ أم أنّ فضائيّاتنا مصابة بعمى الألوان، لا ترى إلاّ المهرّج والبهلوان؟ مسؤول عربيّ قال مرّة لتبرير إقصائه أحد المنتجين: إنّه مثقّف أكثر من اللازم! سمعتُه بأذني هذه التي تأكلها الدودة والنملة!! فتذكّرتُ ما قاله أبو الفضل الوليد: «رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ، إذا أنكرَ الجُهَّالُ فَضلَ المعلِّمِ »! صحيح أنّ البعض يُستضاف للتمويه في بعض المنوّعات! أو يُنفى إلى الربع الخالي من المشاهدين والمشاهدات! لكنّ الحقيقة التي لا بهارات تخفيها ولا أملاح: أنّ الثقافة في فضائيّاتنا شبح، وأنّ المثقّفين في فضائيّاتنا أشباح! كلّ ذلك بدعوى إراحة المشاهد من تدوير المخّ كي يتخصّص في تدوير الحزام! والنتيجة: عقول جاهزة للظلام!! «تعظيم سلام» أيّها المبرمجون العظام! هنيئًا لكم بتنظيف فضائيّاتكم من الثقافة والمثقّفين! وهنيئًا لنا بهذا المشهد السمعيّ البصريّ المتميّز على كلّ المشاهد العالميّة، والشبيه بذلك المهمه الذي أحسن المعرّي وصفه حين قال: «دُجًى تتشابَهُ الأشْباحُ فيه، فيُجْهَلُ جِنسُها حتى يَصيحا...».